ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: ٨] خرج مخرج الامتنان والأكل من أعلى منافعها. والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم ويمتن بأدناها.
ــ
[البناية]
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: ٨] خرج مخرج الامتنان والأكل من أعلى منافعها) ش: أي من أعلى منافع الخيل م: (والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم ويمتن بأدناها) ش: قد قررنا معنى هذا الكلام عن قريب.
فإن قلت: إنما لم يذكر؛ لأنه يفهم الأعلى بذكر الأدنى بالطريق الأولى كما في قوله سبحانه وتعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] يفهم منه حرمة الضرب، والشتم بالطريق الأولى دون العكس.
قلت: إنما يصح ذلك إذا كان البيان بطريق الكفاية وما نحن بصدده من قبيل بيان النهاية ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى فيما سبق: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ} [النحل: ٥] . ثم عطف عليها، والخيل، والبغال، والحمير من غير ذكر شيء آخر من المنافع فلما قال: {لِتَرْكَبُوهَا} [النحل: ٨] علم أن حكم المعطوف عليه حكم المعطوف.
فإن قلت: إنما يستقيم هذا إذ لو كان المقصود من النص الامتنان بمطلق النعمة المخصوصة، فلا يستقيم هذا، وإن سلمنا. لكن لم قلتم إن منفعة الأكل في الخيل يتعلق بها البقاء في الجملة، ولكن غيره يسد مسده في تعليق إبقائه هو البقر، والغنم، وغيرهما. ومنفعة الركوب، والزينة في الخيل تحصل على وجه لا يحصل بغيره من الحيوانات.
فكانت منفعة الركوب والزينة في الجملة بترك الامتنان في منفعة الأكل في الخيل لا يدل على حرمة الأكل، كترك الامتنان بنعمة الدار، والنسل، والبيع.
قلت: وجه الامتنان لا يتعلق باختصاص هذه المنافع بهذه الأشياء إنما يتعلق برجوع هذه المنافع إلى العباد؛ لأن وجه النعمة في ذلك لا في اختصاصها ومنفعة الأكل في الخيل بالإضافة إليها فوق منفعة الركوب والزينة في كونها نعمة.
على أنا نقول: إن منفعة الركوب والزينة لا تختص بهذه الحيوانات بل توجد في غيرها، وهو البقر، والإبل وغير ذلك فلا يكون القصد منه ذكر المنافع بها.
أما قوله: لم قلتم إن منفعة الأكل في الحيوانات يتعلق بها البقاء على ما ذكرنا. ومنفعة الركوب والزينة لا يتعلق بها البقاء ".
وأما قوله: غيره يسد مسده في تعليق البقاء، قلنا: ذلك لا يخرج كون منفعة الأكل من أن يكون فوق منفعة الركوب والزينة.
وأما منفعة البيع والحمل فقد ذكرها دلالة، وإن لم يذكرها صريحا؛ لأنه متى تبين كونه