والحمير مختلف. وذلك أنه نهي عن البغال، والحمير لذاتها، وعن الحمير لأنهم سارعوا إلى طبخها يوم خيبر قبل أن تخمس، فأمر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإكفائها تغليظا عليهم. فلما رأوا نهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن تناول لحوم الخيل والبغال والحمير، اعتقدوا أن سبب التحريم واحد. وحتى «نادى منادي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن الله تعالى ينهاكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس» .
فحينئذ فهو أن سبب التحريم مختلف وأن الحكم بتحريم الحمار الأهلي على التأبيد، وأن الخيل إذا كان عن تناول ما لم ينجس فيكون قوله: إذن، أو رخص دفعا لهذه الشبهة.
قلت: مسند حديث خالد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جيد، ولهذا أخرجه أبو داود، وسكت عنه فهو حسن عنده. وقال النسائي: وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرني بقية أخبرني ثور بن يزيد عن صالح فذكره بسنده، وقد صرح فيه بقية بالحديث عن ثور، وثور حمصي أخرج له البخاري، وغيره وبقية: إذا صرح بالحديث كان سنة حجة. كذا قال ابن معين، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والنسائي، وغيرهم، خصوصا إذا كان الذي حدث عن بقية عاما.
قال ابن عدي: إذا روى بقية عن أهل الشام فهو ثبت، وصالح، وذكره ابن حبان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الثقات، وأبو يحيى ذكره الذهبي في " الكاشف " وقال: وثق وأبوه المقدام بن معد يكرب صحابي فهذا سند جيد كما ترى. فكيفما كان كذلك صحت المعارضة. فإذا تعارضا ترجح المحرم كما ذكرنا ولا يصح الاستدلال على نسخ حديث خالد بقوله: أذن أو رخص؛ لأنه يحتمل أن يكون إذنه في حالة المخمصة إذ هي أغلب أحوال الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
وفي " الصحيح ": أنهم ما وصلوا إلى خيبر إلا وهم جياع، فلا يدل على الإطلاق.
فإن قلت: لو كانت الإباحة للمخمصة لما اختصت بالخيل.
قلت: يمكن أن يكون في زمن الإباحة بالفرس ما أصابوا البغال والحمير.
فإن قلت: قال ابن حزم في حديث خالد دليل الوضع لأن فيه عن خالد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: غزوت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيبر. وهذا باطل لأن خالدا لم يسلم إلا بعد خيبر بلا خلاف.
قلت: ليس كما قال بل فيه خلاف فقيل: هاجر بعد الحديبية، وقيل: بل كان إسلامه بين الحديبية وخيبر، وقيل: بل كان إسلامه سنة خمس بعد فراغ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بني قريظة وكانت الحديبية في ذي القعدة سنة ست، وخيبر بعدها سنة سبع، ولو سلم أنه أسلم بعدها فغاية ما فيه أنه أرسل الحديث، ومراسيل الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في حكم الموصول المسند، لأن روايتهم، عن الصاحبة كما ذكره ابن الصلاح وغيره.