للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

دهقان قريته وكنت أحب الخلق إليه، وكنت أجتهد في المجوسية، أوقد النار لا أتركها تخمد أبدا اجتهادا في ديني.

فأرسلني أبي يوما إلى ضيعة له في بعض عمله، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم وهم يصلون فدخلت عليهم أنظر ماذا يصنعون، فأعجبني ما رأيت من دينهم، ورغبت عن ديني.

فلما رجعت إلى أبي أخبرته الخبر فأخافني وجعل في رجلي قيدا وحبسني في بيتي أياما، ثم أخبرت بقوم من النصارى خرجوا تجارا إلى الشام، قال فألقيت القيد من رجلي وخرجت معهم حتى قدمت الشام فسألت عن الأسقف من النصارى، فدلوني عليه في كنسية فجئت إليه وخدمته ولازمته وكنت أصلي معه. فلم يلبث أن مات وكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة، فإذا جمعوا له شيئا أخذه لنفسه ولم يعط المساكين شيئا. فلما جاءوا ليدفنوه أخبرتهم بخبره ودللتهم على موضع كنزه، فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وفضة، فصلبوه ورجموه بالحجارة.

ثم جاءوا بآخر فوضعوه مكانه، فما رأيت أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة ولا أدوم في العبادة ليلا ونهارا منه. فلم يلبث أن حضرته الوفاة، فسألته فأوصى بي إلى رجل بنصيبين فلحقت به فلزمته، فوجدته على أمر صاحبه فلم يلبث أن حضرته الوفاة، فسألته فأوصى بي إلى رجل في عمورية من أرض الروم.

فلحقت به فوجدته على هدي أصحابه، فلم يلبث أن حضرته الوفاة، فسألته فقال: والله يا بني ما أعلم أصبح اليوم على أمرنا أحد من الناس ولكنه قد أظللك زمان نبي بأرض العرب يبعث بدين إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، به علامات لا تخفى: يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل. ثم مات ودفن، فمكثت بعمورية ما شاء الله ثم مر بي قوم تجار، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقري وغنمي، فقد اكتسبت بقرا وغنما. فقالوا: نعم.

فأعطيتهم وحملوني حتى إذا قدموا بي على وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل يهودي، فكنت عنده ما شاء الله، إذ قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة، فابتاعني منه، وحملني إلى المدينة فأقمت بها وبعث الله رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة، فأقمت بها ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، حتى قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة فذهبت إليه، فدخلت عليه فقلت له: بلغني أنك رجل صالح وأصحابك غر حاجة ومعي شيء عندي للصدقة رأيتك

<<  <  ج: ص:  >  >>