للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعليه انعقاد إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -

ــ

[البناية]

كذا في " شرح الطحاوي " م: (وعليه انعقد إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أي على أنها حرام، ويحد بشرب قليلها. كذا قاله الكاكي. والصواب أن يقال: أي وعلى الجلد انعقد الإجماع من الصحابة؛ لأن بين انعقاد الإجماع على تحريمها فيما قضي من قريب وهو قوله: وقد جاءت السنة المتواترة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حرم الخمر، وعليه انعقد الإجماع. قال الكاكي: وما حكي عن قدامة بن مظعون، وعمرو بن معد كرب، وابن حدل بن سهم، بأنهم قالوا بحلها.

فقد روى الجوزجاني بإسناده إلى ابن عباس: أن قدامة بن مظعون، وعمرو بن مظعون شرب الخمر، وقال له عمر: ما حملك على ذلك. فقال: إن الله سبحانه وتعالى يقول: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: ٩٣] وأتي بالمهاجرين الأولين من أهل بدر، فقال عمر: أجيبوا الرجل. فسكتوا. فقال لابن عباس: أجبه. فقال: إنما أنزل الله عذرا للماضين لمن شربها قبل أن تحرم. ثم سأل عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن الجلد فيها. فقال علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذا شرب هذى، وإذا هذى افترى، فعليه حد المفترين ثمانين جلدة. فجلده عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثمانين، فقال: أخطأت التأويل.

وروي أن أناسا شربوا الخمر بالشام، فقال لهم يزيد بن أبي سفيان: شربتم الخمر، قالوا: نعم، بقوله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: ٩٣] الآية. فكتب فيهم إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فكتب عمر: أن ابعثهم إلي سريعا لئلا يفتنوا عباد الله. فبعث بهم إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقال لعلي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: ما ترى؟. فقال: أرى إن زعموا أنها حلال، شرعوا في دين الله فاقتلهم، وإن زعموا أنها حرام فاجلدوهم ثمانين. فجلدهم عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثمانين. ورجعوا إلى تحريمها فانعقد الإجماع. انتهى.

قلت: انعقاد الإجماع على تحريم الخمر كان قبل ذلك بالكتاب، والسنن المشهورة. وهؤلاء الذين ذكرهم إنما شربوا الخمر متأولين بالآية المذكورة مع كونهم مخطئين في هذا التأويل. فلهذا قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لقدامة: أخطأت التأويل. ولم يكونوا مخالفين للصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - حتى يكون الإجماع وقت إقامة الحد عليهم على أن هذا الخبر لم ينته إلى الصحة. وقد رواه البيهقي في " سننه " من طريق سعيد بن عفير، حدثنا يحيى بن فليح، أخذ محمد، عن ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: " أن الشراب كانوا يضربون على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يعني بالأيدي، والنعال، والعصي - ".

<<  <  ج: ص:  >  >>