للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمثلث لغلظه لا يدعو وهو في نفسه غذاء فبقي على الإباحة. والحديث الأول غير ثابت على ما بيناه،

ــ

[البناية]

القليل حكم الكثير، والمثلث ليس كذلك لغلظه، وهو معنى قوله: م: (والمثلث لغلظه لا يدعو) ش: أي قليله لكثيره م: (وهو في نفسه غذاء) ش: أي والمثلث في نفسه غذاء م: (فبقي على الإباحة) ش: لأن الحاصل الإباحة وجه الجواب عن الثاني بطريق الفرق وهو واضح.

م: (والحديث الأول) ش: يعني قوله: «كل مسكر خمر» م: (غير ثابت على ما بيناه) ش: أي في أول الكتاب من طعن يحيى بن معين، وقد تقدم الكلام فيه مستوفى، فما المراد تشبيه المسكر بالخمر في حق الحكم وهو الحد؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث مبينا للأحكام لا واضعا للأسامي والمسكر وهو المسكر، وهو القدح الأخير كالخمر في أنه يجب الحد بشربه. وعن إبراهيم النخعي قالوا: ما يرويه الناس عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل مسكر حرام» خطأ، وزادوا فيه الميم، والصحيح من الرواية: " كل سكر حرام " وكذا ما يرويه الناس عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» ، لم يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ولأن الخلاف في ذلك مشهور بين الصحابة، ولم يحتج بهما أحد؛ ولأن الأخبار لما تعارضت يتمسك بالقياس، وهو شاهد؛ لأن في قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: ٩٠] الآية، بين الحكمة في تحريم الخمر، وهو: الصد عن ذكر الله تعالى وإيراث العداوة، والبغضاء، وهذه المعاني لا تحصل بشرب القليل.

ولو خلينا ظاهر الآية لقلنا بأن القليل من الخمر لا يحرم أيضا، لكن تركناه في قليل الخمر بالإجماع فيما عداه، فبقي على ظاهر الآية، لأنه قلما لا يورث العداوة والبغضاء ولا الصد عن ذكر الله سبحانه وتعالى، وعن الصلاة.

وقال محمد في كتاب " الآثار ": أخبرنا أبو حنيفة قال: حدثنا أبو إسحاق الشعبي، عن عمر بن ميمون الأودي، عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إن للمسلمين جزورا لطعامهم، وإن العتق منها، لأن عمر قال: وإنه لا يقطع لحوم هذه الإبل في بطونها إلا النبيذ الشديد. وروى الطحاوي في " شرح الآثار " بإسناده إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه: أنه كان في سفر فأتي بنبيذ الطائف له عزام، فذكر شدة لا أحفظها، ثم دعا بماء فصب عليه ثم شرب.

وروى الطحاوي أيضا: حدثنا أبو أمية قال: حدثنا عبد السلام عن ليث عن عبد الملك بن أخي القعقاع بن ثور «عن ابن عمر، قال: شهدت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتي بشراب فأومأ إلى فيه فقطب فرده، فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هو فرد الشراب، ثم دعا بماء فصبه عليه مرتين أو ثلاثا، ثم قال: إذا علمت منه الأشربة عليكم فأكثروا متونها بالماء» .

<<  <  ج: ص:  >  >>