للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

الخمر أيتخذ خلا، قال: "لا".» وروي أيضا عن أنس «أن أبا طلحة سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أيتام ورثوا خمرا، قال: "أهرقها"، قال: أفلا نجعلها خلا؟ قال: "لا» .

وروى المزني أيضا في كتاب " العلل ": «أن أبا طلحة كان في حجره يتامى فاشترى لهم خمرا فنزل تحريم الخمر فسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك وقال: أفنخللها؟، قال: "لا، ولكن أهرقها» ، قال المزني: فلو كان التخليل جائزا لما أمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالإراقة، لأن فيها يضيع مال اليتيم، بل كان يأمره بالتخليل خصوصا كان الخمر ليتامى. قالوا: أو لأن الصحابة أراقوها حين نزلت آية التحريم كما ورد في الصحيح، فلو جاز التخليل لبينه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما بين لأهل الشاة الميتة على دباغها.

قلت: أما الجواب عن الحديث الأول: أن المعنى لا يستعملوها استعمال الخل بأن تؤدم ويوضع على المائدة كما يوضع الخل، وهو نظير ما روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه نهى عن تحليل الحرام وتحريم الحلال، وأن يتخذ الدواب كراس» ، المراد الاستعمال. «ولما نزل قوله سبحانه وتعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: ٣١] (التوبة: الآية ٣١) . قال عدي بن حاتم: ما عبدناهم قط، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أليس كانوا يأمرون وينهون وتطيعونهم؟ "، قال: نعم، فقال: "هو ذاك» فقد فسر الإلحاد بالاستعمال.

وأما عن الثاني: فقد أجاب الطحاوي - رحمة الله عليه - بأنه محمول على التغليظ والتشديد، لأنه كان في ابتداء الإسلام كما ورد ذلك في سؤر الكلب، بدليل أنه ورد في بعض طرقه الأمر بكسر الدبار وتقطيع الزقاق. ورواه الطبراني في "معجمه" حدثنا معاذ بن المثنى، حدثنا مشدد حدثنا معتمر حدثنا ليث عن يحيى بن عباد عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عن أبي طلحة قال: قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إني اشتريت خمرا لأيتام في حجري؟، فقال: "أهرق الخمر واكسر الدنان".»

وروى أحمد في "مسنده" حدثنا الحاكم بن نافع حدثنا أبو بكر بن أبي مريم عن حمزة بن حبيب عن ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شق زقاق الخمر بيده في أسواق المدينة» ، وهذا صريح في تغليظ الأمر، لأن فيه إتلاف مال الغير، وقد كان يمكنه الإراقة بدون كسر الدنان وشق الزقاق وتطهيرها، ولكن قصد بإتلافها التشديد ليكون أبلغ في الردع، وقد ورد عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه حرق بيت خمار، كما رواه ابن سعد في " الطبقات " أخبرنا يزيد بن

<<  <  ج: ص:  >  >>