وله: أنه آية جهله من الابتداء؛ لأن الحرفة لا ينسى أصلها، فإذا أكل تبين أنه كان تركه الأكل للشبع لا للعلم وتبدل الاجتهاد قبل حصول المقصود
ــ
[البناية]
ش: أي إذا كان كذلك، فحرمناه بطريق الاحتياط.
فإن قلت: الصيد اسم للمتوحش المنفر، ولم يبق من هذا المعنى شيء؟.
قلت: بقي ما يلازمه وهو عدم الإحراز على أنا نقول: التنفر، والتوحش ليس بلازم للصيدية، فإن البيض صيد باعتبار ماله مع انعدام هذا المعنى فيه، فلا يكون هذا صيدا باعتبار ما كان بالطريق الأولى.
م:(وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه آية جهله) ش: أي لأن أكله علامة جهله م: (من الابتداء) ش: أشار بهذا إلى أنه يحكم بجهله عنده مستندا، وعندهما مقتصرا، وبه قالت الثلاثة م:(لأن الحرفة لا ينسى أصلها) ش: هذا جواب عن نكتة غير مذكورة في الكتاب يحتجان بها: وهي أن الأكل في الحال لا يدل على كونه جاهلا في الماضي، لجواز أنه كان عاملا، إلا أنه جهل، والحرفة قد تنسى.
فأجاب: بأنه لو كان عالما لما جهل إذ أصل الحرفة لا تنسى، وإنما تنسى وقائعها بالترك كالخياطة ونحوها في الآدمي، وبه يتبين أن تركه الأكل كان للشبع لا للعلم، وهو معنى قوله م:(فإذا أكل تبين أنه كان تركه الأكل كان للشبع لا للعلم) ش: أي كان لأجل الشبع لا لكونه عالما.
ومن أصحابنا من حمل هذا الخلاف على أن الأكل كان مقارنا لزمان التعليم؛ لأنه إذا كان كذلك دل على فقد التعليم؛ لأن المدة القصيرة تنسى فيها، وإنما ترك الأكل فيما تقدم للشبع ولم يأكل. وأما إذا طالت المدة فيجوز أن يكون أكل للنسيان فلا يستدل بذلك على فقد التعليم في الأصل، فكذلك أكل.
وقال القدوري في "مختصره": وظاهر الرواية يقتضي: أنه لا يؤكل بكل حال، وذلك لأن الاصطياد ليس بعلم مكتسب، وإنما هو من الضرورات، ومثل ذلك لا ينسى، وإنما يضعف بالترك كالخياطة والرمي، فإذا أكل الكلب علم أنه لم يكن معلما في الأصل.
م:(وتبدل الاجتهاد قبل حصول المقصود) ش: هذا جواب عما قالا أو لأن فيما أحرزه وقد أمضى الحكم فيه بالاجتهاد، ولا حقيقة أن حكم الإباحة في المحرز إنما ثبت عند ترك الأكل، لأنها مبنية على كون الطلب معلما، وذلك ثابت بالاجتهاد على ما قال، فكان وهما واحتمالا، والموهوم يعتبر عند الضرورة، وذلك عند الأكل، فلم تكن الإباحة ثابتة قبله، فلو اعتبر هكذا بالاجتهاد لأدى إلى نقض حكم أي باجتهاد مثله، بل يؤدي إلى المنع، فصار كظهور اجتهاد