الثاني: أن هذا الحديث مركب من حديثين رواهما المغيرة بن شعبة، جعلهما المصنف حديثا واحدا، وقد تبع في ذلك أبا الحسن القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الشيخ أكمل الدين قيل هذا حديث واحد، وقيل حديثان، جمع القدوري بينهما. قلت: هذا عجز ظاهر منه حيث صرح بقوله: قيل: هذا حديث واحد، وهذا القول غير صحيح، والقول الثاني هو الصحيح، ومع هذا لم يبين كيف روى الحديثان، ولا التفت إليه والعجب منه ومن نظرائه الذين تصدوا لتأليف الشروح على مثل " الهداية " كيف قصروا فيما يتعلق بالأحاديث التي يستدل بها في هذا الكتاب، وهل مبنى هذا العلم إلا عليها وليس بناؤها على شفا جرف هار، فنحن بين ذلك بعون الله وتوفيقه.
أما الحديث الأول الذي فيه ذكر السباطة والبول، فأخرجه ابن ماجه في سننه حدثنا إسحاق ابن منصور حدثنا أبو داود حدثنا سعيد عن عاصم عن أبي وائل عن المغيرة بن شعبة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى سباطة قوم فبال قائما، قال شعبة قال عاصم يومئذ» .
ورواه البخاري ومسلم عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى سباطة قوم فبال قائما ثم دعا بماء فجئته به ثم توضأ. وزاد مسلم " ومسح على خفيه» ووهم الشيخ علاء الدين التركماني في هذا الحديث بعد أن حكاه بلفظ البخاري وزيادة مسلم أخرجاه وليس كذلك بل انفرد مسلم فيه بالمسح على الخفين وصرح بذلك عبد الحق بالجمع بين الصحيحين، وقال: لم يذكر البخاري فيه المسح على الخفين، ووهم المنذري أيضا فعزاه إلى المتفق وتبع في ذلك ابن الجوزي فوهم وتعقبه ابن عبد الهادي لما ذكرنا من تصريح عبد الحق.
وأما الحديث الثاني ففيه ذكر المسح على الناصية والخفين فأخرجه مسلم عن عروة بن المغيرة عن أبيه المغيرة بن شعبة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين» .
رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه مطولا ومختصرا وأخرجه الطحاوي من حديث الربيع ابن سليمان المؤذن قال: حدثنا يحيى بن حبان حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عن عمرو بن وهب الثقفي عن المغيرة بن شعبة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ وعليه عمامة فمسح على عمامته ومسح بناصيته» .