للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

الثالث: أن المفروض في سائر الأعضاء غسل مقدر فكذا في هذه الوظيفة فكان مجملا في حق المقدار فيكون فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بيانا.

الرابع: أن المذكور في الأحاديث المذكورة الإتيان إلى سباطة قوم والبول فيها قائما والتوضؤ والمسح على الناصية والخفين والعمامة مقدم عن قريب.

فإن قلت: قد روى الأربعة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا أراد حاجة أبعد فكيف بال في السباطة التي تقرب الدور. قلت لعله كان مشغولا بأمور المسلمين والنظر في مصالحه وطال عليه المجلس حتى خرقه البول فلم يمكنه التباعد ولو أبعد لكان تضرر وارتداد السباطة لدمسها وكان حذيفة يقربه بيده من الناس مع أنهم كانوا يؤثرون ذلك ولا يكرهون بل يضرجون به ومن كان هذا حاله جاز البول في أرضه والأكل من طعامه والاستهداد من مجرته، ولهذا ذكر علماؤنا من دخل بستان غيره يباح له الأكل من الفاكهة كالهبة إذا كان بينه وبين صاحب البستان انبساط ومحبة، وأما البول قائما فأخرجه البخاري ومسلم من حديث الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أتى سباطة قوم فبال قائما الحديث.» فيه وجوه: الأول لما كان به وجع الصلب إذ ذاك. والثاني ما رواه البيهقي برواية ضعيفة " أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «بال قائما لعلة بمأبضه» والمأبضة بهمزة ساكنة بعد الميم ثم باء موحدة وهو باطن الركبة، والثالث: أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يجد مكانا للقعود فاضطر إلى القيام لكون الطرف الذي يليه من السباطة كان غالبا مرتفعا، والرابع: ما ذكره القاضي وهو كون البول قائما حالة يؤمن فيها خروج الحدث من السبيل الآخر في الغالب بخلاف حالة القعود، وكذلك قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " البول قائما حض للدبر "، والخامس: أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعله بيانا للجواز في هذه المرة وكان عادته المستمرة للبول قاعدا يدل عليه حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «من حدثكم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يبول قائما فلا تصدقوه ما كان يبول إلا قاعدا» رواه أحمد والنسائي والترمذي بإسناد جيد.

وقد روي في النهي عن البول قائما أحاديث ثابتة ولكن حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هذا ثابت ولهذا قال العلماء يكره البول قائما إلا لعذر وهي كراهة تنزيه لا تحريم وقال ابن المنذر:

<<  <  ج: ص:  >  >>