النوع الخامس: يستفاد منه استحباب غسل النجاسات ثلاثا؛ لأنه إذا أمر به في المتوهمة ففي المتحققة أولى، ولم يزد شيء فوق الثلاث إلا في ولوغ الكلب كما سيجيء إن شاء الله تعالى.
النوع السادس: إن النجاسة المتوهمة يستحب فيها الغسل ولا يؤثر فيها الرش؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: حتى يغسلها ولم يقل حتى يرشها عليها.
النوع السابع: فيه استحباب الأخذ بالاحتياط في أبواب العبادات.
النوع الثامن: استدل به أصحابنا على أن الإناء يغسل من ولوغ الكلب ثلاث مرات، وذلك أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر القائم من الليل بإفراغ الماء على يديه مرتين أو ثلاثا وذلك أنهم كانوا يتغوطون ويتبولون ولا يستنجون بالماء وربما كانت أيديهم تصيب الموضع النجس فنجس، فإذا كانت الطهارة تحصل بهذا العدد من البول أو الغائط وهما أغلظ النجاسات كان أولى وأحرى أن يحصل بما دونهما من النجاسات.
النوع التاسع: أن الماء ينجس بورود النجاسات عليه وهذا بالإجماع وأما ورود الماء على النجاسة فكذلك عندنا خلافا للشافعي، وقال الشيخ محيي الدين النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في هذا الحديث الفرق بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه وأنها إذا وردت عليه تنجسه وإذا ورد عليها أزالها، وتقريره أنه قد نهى عن إدخال اليدين في الإناء لاحتمال النجاسة، وذلك يقتضي أن ورود النجاسة على الماء مؤثر فيه وأمر بغسلها بإفراغ الماء عليها للتطهير، وذلك يقتضي أن ملاقاتها الماء على هذا الوجه غير مفسد بمجرد الملاقاة للضرورة ولكن لا نسلم أنه يبقى طاهرا بعد إزالة النجاسة. وقال النووي أيضا: وفيه دلالة أن الماء القليل إذا وردت عليه نجاسة تنجسه.
وإن قلت: ما لم [......] لأن الذي يتعلق باليد ولا يرى قليل جدا، وإن كانت عادتهم استعمال الأواني الصغيرة التي تقرب من القلتين بل لا تقاربه. وقال القشيري: وفيه نظر عندي؛ لأن مقتضى الحديث أن ورود النجاسة على الماء يؤثر فيه ومطلق التأثير أعم من التأثير بالنجس ولا يلزم من ثبوت الأعم ثبوت الأخص العين فإذا سلم الخصم أن الماء القليل بوقوع النجاسة قد يكون مكروها فقد ثبت مطلق التأثير ولا يلزم ثبوت خصوص التأثير بالتنجس.
النوع العاشر: فيه استعمال الكنايات في المواضع التي فيها استحياء ولهذا قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فإنه لا يدري أين باتت يده» ولم يقل فلعل يده وقعت على دبره أو ذكره أو نجاسة ونحو ذلك، وإن كان هذا معنى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهذا إذا علم أن السامع يفهم بالكناية المقصود فإن لم يكن كذلك فلا بد من التصريح لينفي اللبس والوقوع في خلاف المطلوب وعلى هذا يحمل ما جاء من ذلك مصرحا به.