واحتج الشافعي ومن تابعه بحديث أبي الجوزاء عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ الفاتحة فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وعدها آية منها» .
واحتج أصحابه بما رواه الشافعي عن مسلم عن ابن جريح عن عبد الله بن أبي مليكة عن أم سلمة أم المؤمنين قالت:«قرأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاتحة الكتاب فعد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آية والحمد لله رب العلمين آية، الرحمن الرحيم آية، إياك نعبد وإياك نستعين آية، اهدنا الصراط المستقيم آية، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين» ذكره فخر الدين الرازي في " تفسيره الكبير ". واحتجوا أيضا بما رواه الشعبي في تفسيره عن أبيه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ألا أخبرك بحديث. وقد ذكرناه عن قريب.
والجواب عن هذه الأحاديث، أما حديث عائشة فالصحيح ما رواه مسلم عن بديل بن مسلمة عن أبي الجوزاء عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت:«كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين» وهذا ظاهر في كون التسمية من الفاتحة.
فإن قلت: تأويله على إرادة اسم السورة.
قلت: لا يعدل عن حقيقة اللفظ وظاهره إلا بدليل.
فإن قلت: أبو الجوزاء لا يعرف له سماع عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ولئن سلم فإنه روي عنها أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يجهر بها.
قلت: يكفينا أنه حديث أودعه مسلم في "صحيحه ".
وأبو الجوزاء اسمه أوس بن عبد الله الربعي، ثقة كبير لا ينكر سماعه من عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وقد احتج به جماعة، وبديل بن ميسرة تابعي صغير مجمع على عدالته وثقته، وقد حدث عنه هذا الحديث الأئمة الكبار وتلقاه العلماء بالقبول ولم يتكلم فيه أحد منهم وما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - من الجهر فكذب بلا شك، فيه الحكم بن عبد الله بن سعد، وهو كذاب دجال لا يحل الاحتجاج به، ومن العجب القدح في الحديث الصحيح والاحتجاج بالباطل. وأما حديث أم سلمة فليس بصحيح لأنه يرويه عمر بن مروان البلخي عن ابن جريج قال يحيى: ليس بشيء.
وأما حديث أبي هريرة فقد ذكرنا ما فيه من العلل، وإنما استدللنا به فيما مضى لأنه يدل على أن التسمية من القرآن وهو المختار عند بعضهم، ولا يدل على أنها من الفاتحة.