قوله:" لا وضوء " كلمة " لا " لنفي الجنس وخبرها محذوف تقديره: لا وضوء حاصل، أو كائن لمن لم يسم: أي لم يذكر اسم الله عليه، وحذف خبر " لا " شائع، ولا سيما إذا كان الخبر عاما كالموجود، والحاصل أن غير ذلك لدلالة النفي ومنه: لا إله إلا الله، ولا فتى إلا علي، ولا سيف إلا ذو الفقار، واستدل أهل الظاهر وإسحاق بن راهويه أن الوضوء لا يصح إلا بالتسمية حتى قال إسحاق: إذا ترك التسمية عامدا يجب عليه إعادة الوضوء، وعن أحمد أنها واجبة، وروي عنه أنه قال: ليس في هذا حديث يثبت، وأرجو أن يجزئه الوضوء.
وفي " المغني " ظاهر مذهب أحمد أن التسمية مسنونة في طهارات الحدث كلها، ورواه جماعة من أصحابه عنه، وقال: الذي استقر في الروايات عنه أنه لا بأس به يعني إذا ترك التسمية وهذا قول الثوري، ومالك، والشافعي، وأبي عبيدة وابن المنذر وأصحاب الرأي، وعن أحمد رواية أخرى أن التسمية واجبة في جميع طهارات الحدث، الوضوء، والغسل، والتيمم، وهو اختيار أبي بكر، ومذهب الحسن، وإسحاق، ثم إذا قلنا بوجوبها فتركها عامدا لم تصح طهارته فإن تركها سهوا صحت، وهو قول إسحاق، وإن ذكرها في أثناء الطهارة أتى بها، وقال أبو الفرج: إذا سمى في أثناء الوضوء أجزأه يعني على كل حال؛ لأنه قد ذكر اسم الله عليه، وقال بعض أصحابنا: لا تسقط بالسهو لظاهر الحديث وقياسا على سائر الواجبات، والأول أولى. قال أبو داود: قلت لأحمد: إذا نسي التسمية في الوضوء، قال: أرجو أن لا يكون عليه شيء. انتهى.
قال القدوري: قال قوم: إن التسمية في أول الوضوء فرض وهذا غلط، وعن مالك أنه أنكر التسمية في أول الوضوء، فقال: أتريد أن تذبح، قلت: إن كان إنكاره كونها شرطا كما يكون شرطا لحل الذبيحة فهو موجه، وإن كان إنكاره كونها مستحبة أو سنة في أول الوضوء فإنكاره ليس له وجه، لما ذكرنا من الأحاديث ولما روى الحافظ عبد القادر الزهاوي في " أربعينه " من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله أو بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فهو أقطع» وصححها أبو عوانة وابن حبان، وقال " صاحب البدائع ": قال مالك إن التسمية فرض إلا إذا كان ناسيا فتقام التسمية بالقلب مقام التسمية باللسان دفعا للحرج. واحتج له بالحديث المذكور.
فإن قلت: هذا غير صحيح؛ لأن مذهب مالك أن التسمية سنة كمذهبنا على أن نقلنا عن القدوري أنه نقل عنه أنه أنكر التسمية كما ذكرنا أيضا، وقد قال صاحب " الجواهر ": وأما فضائله أي فضائل الوضوء فأربع: التسمية، وروى الواقدي أن ذلك فيما يؤمر به من شاء قال ذلك،