للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

والأحسن أن يقال: فإذن خبر الفاتحة مواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليها من غير ترك فهذا دليل الوجوب بخلاف التسمية حيث لم تثبت عليها المواظبة ويرد عليه التكبيرات التي تخلل في أثناء الصلاة، والجواب القاطع عندي أن يقال: خبر الفاتحة متفق على صحته وخبر التسمية ليس كذلك حتى روي عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال حين سئل عنها: " لا أعلم فيها حديثا صحيحا أقوى " فإذا كان الأمر كذلك، فمن أين المعارضة حتى يحتاج إلى الجواب، ولأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علم الأعرابي الوضوء ولم يذكر التسمية وهو جاهل أحكام الوضوء، فلو كانت شرطا لصحته لاستوى فيها العمل والنسيان كتحريمة الصلاة.

فإن قلت: روي في حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سمى كما ذكرنا عن البزار.

قلت: ضعفه بعضهم، قال ابن عدي: بلغني عن أحمد أنه نظر في جامع إسحاق بن راهويه فإذا أول حديث أخرجه هذا الحديث فأنكره جدا، فقال: أول حديث يكون في الجامع عن حارثة، وكان في إسناده، حارثة بن محمد وهو ضعيف، روي عن أحمد أنه قال: هذا يزعم أنه اختار أصح شيء في إسناده، وهذا أضعف حديث، ولئن سلمنا ذلك لكن لا نسلم أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سمى باعتبار الوجوب بل باعتبار أنها مستحبة في ابتداء جميع الأفعال كما في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل أمر ذي بال» الحديث، وقد حمل بعضهم قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» على أنه الذي يتوضأ أو يغتسل ولا يتوضأ وضوءه للصلاة ولا غسل للجنابة.

كما رواه أبو داود حدثنا أحمد بن السرح قال: حدثنا ابن وهب عن الدراوردي قال: ذكر ربيعة أن تفسير حديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» أنه الذي يتوضأ أو يغتسل ولا يتوضأ وضوءه للصلاة، ولا غسلا للجنابة وذلك لأن النسيان محله القلب فوجب أيضا أن يكون محلا للذكر الذي يضاد النسيان، وذكر القلب إنما هو النية، هذا توجيه كلام ربيعة ابن عبد الرحمن المدني شيخ مالك والليث والأوزاعي.

قلت: الذكر الذي يضاد النسيان بضم الذال والذكر بالكسر يكون باللسان، والمراد بالذكر المذكور في الحديث هو الذكر باللسان فكيف يلتئم كلام ربيعة وفيه تعسف وتأويل بعيد لا تدل عليه قرينة من القرائن اللفظية ولا من القرائن الحالية فلا حاجة إلى هذا التكلف إذا حملناه على نفي الفضيلة والكمال.

قيل: إن «حديث المهاجر بن قنفذ: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يتوضأ فسلمت عليه فلم يرد، فلما فرغ قال: " إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني على وضوء» أخرجه أبو داود وابن حبان في

<<  <  ج: ص:  >  >>