للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

المختلف فيه وغيره، فيجب تقديم أحاديثنا لنصها وخصوصها على أحاديثهم العامة التي لا نص فيها، كما يقدم الخاص على العام والنص على الظاهر المحتمل، والسلف من الصحابة والتابعين تحملوا بها، فدل ذلك كله على قولنا.

قلت: حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صحيح، نص عليه الترمذي وغيره، وما يذكره الرواة في الترجيح إنما يكون إذا كان راوي الخبر واحدا، وراوي الخبر الذي يعارضه صفة اثنان أو أكثر، فالذي نحن فيه روي عن جماعة، وهم عبد الله بن مسعود والبراء بن عازب وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فحينئذ تساوت الأخبار في ظن الصدق بقولهم وبعدم الغلط، ولا نسلم تقديم خبر المثبت على خبر النافي مطلقا، وإذا كان خبر النفي عن دليل يوجب العلم به يتساوى مع المثبت فتتحقق المعارضة بينهما، ثم يجب طلب المخلص، فإن كان خبر النافي لا عن دليل يوجب العلم، يقدم خبر المثبت كما في حديث بلال أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لم يصل في الكعبة، مع حديث ابن عمر أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صلى فيها عام الفتح، فإنهم اتفقوا أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ما دخلها يومئذ إلا مرة واحدة، ومن آخر أنه لم يصل فيها فإنه لم يعتمد دليلا موجبا للعلم لأنه لم يعاين صلاته فيها، والآخر عاين ذلك، وكان المثبت أولى من النافي.

وأما الذي نحن فيه عن دليل يوجب العلم به لأن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شاهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعاينه أنه رفع يديه في أول تكبيرة ثم لم يعد، فحينئذ تساويا في القوة والضعف، فكيف يرجح الإثبات على النفي، وكما أن الخاص يوجب الحكم فيما تناوله مطلقا، فكذلك العام يوجب له فيما تناوله مطلقا، وكل واحد من الحديثين نص، فكيف يقال: والنص يقدم على الظاهر المحتمل؟ وأحاديثنا أيضا عمل بها السلف من الصحابة والتابعين، وقد ذكرناه عن قريب.

فإن قلت: حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - معترض فيه بما رواه الترمذي بسنده عن ابن المبارك قال: لم يثبت عندي حديث ابن مسعود أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يرفع يديه إلا في أول مرة، وثبت حديث ابن عمر أنه رفع عند الركوع وعند الرفع وعند القيام من الركعتين.

وقال المنذري: وعبد الرحمن لم يسمع من علقمة قاله. وقال الحاكم: عاصم بن كليب لم يخرج حديثه في " الصحيحين " وكان يختصر الأحكام فيؤديها بالمعنى، وأن لفظة: ثم لا يعود غير محفوظة، قاله البيهقي عن الحاكم.

قلت: عدم ثبوت الخبر عند ابن المبارك لا يمنع ثبوته عند غيره، فقد قال الترمذي: حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حديث صحيح، وصححه ابن حزم في " المحلى " وهو يدور على عاصم بن كليب وقد وثقه ابن معين، وأخرج له مسلم، فلا يسأل عنه للاتفاق على الاحتجاج به، وقول

<<  <  ج: ص:  >  >>