للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأن في التقدم زيادة الكشف.

ــ

[البناية]

عائشة الجماعة على ابتداء الإسلام يعني كان ذلك ثم نسخ حين أمرن بالوقار والقرار في البيوت، وهذا جواب سؤال مقدر بأن يقال: لما فعلت عائشة الجماعة دل على أنها مستحبة فلا يكره. فأجاب عنه وقال: وحمل ذلك على ابتداء الإسلام.

قلت: هذا كلام من لم يطلع في كتب القوم، وأمضى فيه لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أقام بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة كما رواه البخاري ومسلم ثم تزوج عائشة بالمدينة وبنى بها وهي بنت تسع وبقيت عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسع سنين، وما صلت إماما إلا بعد بلوغها، فكيف يستقيم حمله على ابتداء الإسلام، وتصدى الأكمل للجواب عن هذا وقال: يجوز أن يكون المراد بابتداء الإسلام ما قبل بيان الانتساخ، فإنه ابتدأ بالنسبة إليه.

قلت: هذا أبعد من الأول؛ لأن هذا لم يكن في ابتداء الإسلام على ما دلت عليه الأخبار المذكورة، فإذا كان كذلك كيف يحمل هذا على ما قبل الانتساخ.

التاسع: قوله: م: (ولأن في التقدم زيادة الكشف) ش: هذا الدليل توكيد يمنع المتقدم بالنسبة؛ لأنه بين بالنسبة في الأصل لا بالتعليل، واعترض عليه بأن المرأة إذا كانت لابسة من فوقها إلى قدمها، ولم يكن بينهن أحد من الرجال، فإن التقدم يكره مع أنه لا كشف فيها، فلو كانت الكراهية لزيادة الكشف ينبغي أن يجوز هناك لانعدام العلة.

فأجاب عنه الأكمل أخذا من كلام السغناقي بما ملخصه: أن ذلك نادر لا حكم له على أن ترك التقديم بالسنة والتعليل لا يضاهيها.

قلت: لا نسلم أنه نادر؛ لأن المرأة شأنها التستر في كل الأحوال ولا سيما في الصلاة خصوصا إذا أمت، فإنها تحترز عن انكشاف شيء من أعضائها غاية الاحتراز، فحينئذ لا يوجد كشف أصلا فضلا عن زيادته وقوله: على أن يترك التقدم.. إلى آخره، فيه نظر لأنه لم يبين النسبة التي دلت على ترك التقدم.

وقال الأكمل: وهنا بحث من أوجه، وذكر منها: أن المذهب عندنا أن انتفاء صفة الوجوب تستلزم انتفاء صفة الجواز، ثم أجاب عنه بما حاصله أن الجواز ليس بمنسوخ بالإجماع، وإنما المنسوخ هو كون جماعتهن سنة وفيه نظر؛ لأن من ادعى النسخ فعليه البيان.

وقال صاحب " الدراية ": ولأن جماعتهن لو كانت مشروعة لزم تركها ولشاعت كما شاعت جماعة الرجال على أنها من الشعائر فيختص بالأذان والخطب والجمع والأعياد؛ ولأن جماعتهن لا تخلو عن ارتكاب محرم؛ لأن في التقدم زيادة كشف، وفي الوسط تركه القيام وكل ذلك حرام.

أما زيادة الكشف؛ فلقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: ٣١] (النور: الآية ٣١) ، وأما ترك القيام

<<  <  ج: ص:  >  >>