للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الساعة بالطبع، بل لا بد أن يكونوا قد هبطوا بها قبل حروبهم مع الآشوريين بزمان لا يعرف مقداره إلا الله، ولا بد أن يكون اتصال عرب جزيرة العرب بهذه البادية اتصالًا قديمًا، فالبادية والهلال الخصيب امتداد لأرض جزيرة العرب والهجرة بين هذه المواضع قديمة قدم ظهور هذه المواضع إلى الوجود.

لم يكن أمام أعراب جزيرة العرب من مخرج حينما تجف أرضهم ويقضي الجفاف على البساط الأخضر الذي يفرشه الغيث في بعض السنين على سطح الأرض مدة غير طويلة، إلا الهجرة إلى أماكن يجدون فيها الخضرة والماء؛ ليحافظوا بهما على حياتهم وحياة ماشيتهم، وإلا تعرضوا للهلاك. والخضرة والخصب لا يكونان إلا حيث يكون الجو الطيب والماء الغزير، وهما متوافران في الهلال الخصيب وفي أطراف جزيرة العرب في الجنوب؛ حيث تسعف أبخرة البحر العربي والمحيط تلك الأرضين فتغذيها بالرطوبة وبالأمطار؛ لذلك كانت الهجرات إلى مثل هذه الأرضين دائمة مستمرة.

ويجد أعراب نجد في البادية وفي الهلال الخصيب ملاذهم الوحيد في الخلاص من خطر الفناء جوعًا، فيتجهون بحكم غريزة المحافظة على الحياة نحوهما، غير مبالين بما سيلاقون من صعوبات، وأية صعوبات تواجه الإنسان أعظم من تحمل الموت جوعًا ويبطء.

كانت كل قبيلة من هذه القبائل تضرب خيامها في المواضع التي ترى فيها العشب والماء والمغنم, في البادية أو عند الحضر. فإذا وجدت للحضر حكومة قوية احترمتهم، وإن وجدت فيهم ضعفًا، هزئت بهم، واستولت على ما عندهم، وأخذت ترعى في أرضهم، ثم هي لا تقبل بكل ذلك، بل كانت تفرض عليهم "إتاوة" يؤدونها لهم, مقابل حمايتهم من اعتداء الأعراب الآخرين عليهم. وبذلك تمكن سادات القبائل من فرض سلطانهم على بعض المدن كحمص والرُّها والحضر، وغيرها من المدن التي حكمتها أُسَر عربية، في رأي بعض الباحثين١.

وقد وقف الأعراب وقفة تربُّص وتأهُّب من الحكومات القوية المهيمنة على الهلال الخصيب، كانوا يراقبون ويدرسون بذكائهم وبخبرتهم السياسية أوضاعها،


١ العرب في سورية قبل الإسلام، تأليف رينه ديسو، تعريب: عبد الحميد الدواخلي، من منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، الجمهورية العربية المتحدة "ص٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>