ولهذا كانت لأسماء مؤسسي الأسر أهمية كبيرة في إثبات أصل الأسرة١.
وقد استغل الأعراب أهمية الطرق البرية التي تمر بالبوادي، وهي شرايين التجارة العالمية بالنسبة لذلك الوقت، فتحكموا في مسالكها، واستغلوا أهمية الماء بالنسبة للقوافل والجيوش، فلم يكن في وسع جيش قطع البادية من غير ماء، وأخذوا يعاملون المعسكرين: المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي وهو المعسكر الروماني وفقًا لحاجتهما إلى هذه الطرق والماء, ويفرضون على المعسكرين شروطًا تتناسب مع مواقفهما العسكرية ومع الأحوال السائدة بالنسبة لتلك الأيام، وصاروا يجبرون كل معسكر من المعسكرين على تقديم أحسن الترضيات لهم؛ لتقديم خدماتهم له، والانضمام إليه ضد المعسكر الشحيح البخيل.
ومن هذه الإمارات: إمارة الحضر، وإمارة "الرُّها" Edessa، وإمارة "الرستن - حمص" Arethusa – Emesa وإمارة "سنجار" Singara، وحكومة تدمر، ثم حكومة الغساسنة في بلاد الشأم، وحكومة المناذرة في العراق.
ويلاحظ أن بعض هذه الحكومات تكونت في مدن كانت قديمة عامرة، سكانها من غير العرب، ومع ذلك صارت مقرًّا لأسر حاكمة عربية، باستيلاء تلك الأسر عليها وبإخضاعها لحكمها واتخاذها مقامًا لهم، فصار الحكم عليها في أيدي تلك الأسر. أما المحكومون فهم السكان الأصليون، وغالبهم من غير العرب, ولسانهم هو لسان بني إرم في الغالب.
وهناك إمارات تكونت على أطراف الحضارة، وفي مواضع الماء والكلأ في البادية، أو في مواضع غير بعيدة عن حدود الحاضرة من العراق وبلاد الشأم، وخاصة في العُقَد التي تتصل بها طرق القوافل, ويعود الفضل في تكونها وظهورها إلى هذه الأمور المذكورة، ولا سيما موضعها من خطوط سير القوافل، حيث يتقاضى سادات تلك المواضع "إتاوات" عن التجارة التي تمر بها، وعن التجارة التي تحمل إليها لبيعها في أسواقها، فيتجمع لهم دخل لا بأس به من هذه الجباية التي قد ترتفع أحيانًا حتى تصل إلى درجات التعسف بالتجار. ويكون سادات هذه المواضع أصحاب حظ عظيم؛ إذ كانت مواضعهم عصبًا ضروريًّا رئيسيًّا في تجارة البادية، بحيث لا تجد القوافل الكبيرة المحملة بالتجارة النفيسة بدًّا