الأخبار ويبعثون بها إلى الحكام, وقد كانوا في الوقت نفسه بمنزلة المستشارين لهم. وقد يقرنون ذلك بوضع حاميات قوية معهم للدفاع عن أولئك السادات إن جابههم خطر، أو للضغط عليهم ولردعهم في حالة تفكيرهم بنقض حلفهم مع تلك الحكومات. وقد عُرف هؤلاء المستشارون أو "المندوبون الساميون" في عرفنا السياسي في الزمن الحاضر بـ"قيبو" في اللغة الآشورية، وكانوا يرسلونهم إلى مضارب سادات القبال لتوجيههم الوجهة التي يريدها ملوك آشور، وللتجسس عليهم وإرسال أخبارهم إلى أولئك الملوك حتى يكونوا على بيِّنة من أمرهم، ويتخذوا ما يرون من قرارات تجاههم١.
ولم يكن من العسير على حكام العراق وحكام بلاد الشأم، استبدال سيد قبيلة بسيد قبيلة آخر، إذا ما وجدوا في سيد القبيلة المحالف لهم صدا عنهم أو ميلا إلى عدوهم، أو نزعة إلى الاستئثار بالحكم لنفسه والاستقلال.
فالبادية أرض مكشوفة، وأبوابها مفتوحة لا تمنع أحدًا من دخولها، فإذا جاء سيد قبيلة طامعًا في مركز وأرض وكلأ وماء، ووجد في عدده وعدته قوة، نافس من نزل قبله، وطمع في ملكه وتقرب إلى الحكام ليحلوه محله، وليأخذ مكانه. وإذا وجد أولئك الحكام في القادم شخصية قوية وأنه أقوى من السابق؛ لأنه ظهر عليه بعدد من معه وبقوة شخصيته، وأن السيد القديم لم يظل ذا نفع كبير لهم، فلا يهمهم عندئذ إزاحته عن مكانه، وإحلال الجديد محله. وكل ما يطلبه الحكام هو ضمان مصالحهم، ومن يتعهد بحماية مصالحهم صار حليفهم وصديقهم كائنًا من كان. وهكذا البشر في كل مكان وزمان من أية أمة كانوا.
لقد سيطرت القبائل العربية على شواطئ الفرات وهيمنت عليها في أيام السلوقيين. ونجد ساداتها وقد نصبوا أنفسهم عمالًا "فيلاركا" على تلك الشواطئ منذ منتصف القرن الثاني قبل الميلاد وبعده, وتدل أسماء أولئك العمال على أن أصحابها كانوا من أصل عربي، وأن الأسر التي كونوها هي أسر عربية. وكلما كانت أسماء الملوك الأولين لهذه الأسر أسماء عربية، كانت أكثر دلالةً على أصل أصحابها العربي. فقد جرت العادة أن الملوك المتأخرين يتأثرون بتيارات زمانهم الاجتماعية وبرسومه وعاداته، فيتخذون ألقابًا وأسماء يونانية أو سريانية أو فارسية، تظهرهم وكأنهم من أصل يوناني أو سرياني أو فارسي، على حين هم من أصل عربي،