للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حساسة هي حافات الحدود. وأما البادية: بادية الشأم التي تملأ الهلال الخصيب، فقد كانت مملوءة بقبائل عربية تعرف عند الروم باسم Saracens و Scenites، وتعني الكلمة الأخيرة سكان الخيام، أو أهل الخيام، وهي كما قال أحد المؤرخين "الكلاسيكيين" في تنقل مستمر وحركة دائمة من مكان إلى مكان١؛ إذا وجدت أرضًا خصبة عاشت عليها، وإلا كسبت معيشتها بالغزو, تغير على أرض الفرس أو الروم، فإذا جابهتها قوة، تقهقرت إلى البادية حيث يعسر على غير الأعراب ولوجها لتأديبهم. ولهذا لم يكن أمام الحكومات الكبيرة إلا استرضاء تلك القبائل؛ لصيانة حدودها وللاستفادة منها في إلقاء الرعب في قلوب الأعداء والخصوم٢.

وسلك البيزنطيون السياسة التي سلكها حكام "روما" من قبلهم، وهي سياسة التقرب إلى سادة "أكسوم"، وعقد اتفاقيات ود وصداقة معهم؛ لضمان مصالحهم وللضغط على حكام السواحل العربية المقابلة لهم, لجلبهم إلى جانبهم ولمنعهم من التحرش بسفنهم وبتجارهم الذين كانوا يرتادون البحار إلى الهند والسواحل الإفريقية ويقيمون في مواضع من السواحل والجزر على شكل جاليات، كما هي الحال في جزيرة "سقطرى". وقد نجحت سياستهم هذه نجاحًا أدى إلى غزو الجيش لليمن بتحريض من الروم فيما بعد.

وسلكوا سياسة حكام "روما" أيضا في تقوية حدود بلاد الشأم وضمان سلامتها من غارات الأعراب أو الفرس عليها، ببناء سلسلة من الاستحكامات في البوادي وفي مفارق الطرق المؤدية إلى تلك البلاد، وبتقوية "خطة ديوقليطيان" Diocletian الدفاعية الشهيرة التي وضعها، بالدفاع عن الحدود من مصر إلى نهاية الفرات, وفي جملتها تحصين مدينة "تدمر" قلب الدفاع، والمواقع العسكرية الأخرى المقامة في البادية؛ لتكون الموانع الأولى للأعراب من مهاجمة بلاد الشأم، والرادع الذي يردعهم عن التفكير في الغزو٣.

وفي جملة ما اتخذه البيزنطيون من وسائل التأثير في الشرقيين، وفي جملتهم


١ Ammianus Marcellinus, Rerum Gestarum, Bk., Xiv, ٤, I
٢ Bury, I, P.٩٥
٣ John Malalas, Xii, P.٣٠٨, Bury, I, P.٩٦, Arabien, S. ٢٣

<<  <  ج: ص:  >  >>