للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا نعلم أن ملوك الروم كانوا يرسلون قوافل تجارية خاصة بهم؛ لتتاجر مع جزيرة العرب، أو أن حكام مقاطعاتهم في بلاد الشأم كانوا يتاجرون باسم حكومتهم أو بأسمائهم مع بلاد العرب. وكل ما نعرفه هو أن التجار العرب كانوا هم الذين يرسلون القوافل إلى بلاد الشأم, فكانت إذا دخلت مناطق الحدود، تؤدي ضرائب المرور و"المكس" إلى رجال "مصلحة الضرائب" التابعين للروم؛ وعندئذٍ يسمح لهم أن يذهبوا إلى الأسواق لبيع ما يحملونه وشراء ما يحتاجون إليه. وكانت "بصرى" حاضرة "المقاطعة العربية"، هي السوق الرئيسية للتجار العرب، ومنتهى قوافلهم في الغالب, فكانت علاقة أهل الحجاز، ولا سيما أهل مكة، بالروم علاقة اقتصادية. وعلى هذه العلاقة كانت تتوقف العلاقات السياسية في غالب الأحيان؛ فقد كان الروم يزيدون الضرائب أحيانًا، ويتعسفون في الجباية، فيتضرر بذلك التجار العرب، فكانوا يشتكون ويراجعون حكام المقاطعات، وقد يرفعون إلى كبار القادة والحكام التماسًا، أو يرسلون إلى عاهل القسطنطينية رسلًا، كما تقول بعض روايات أهل الأخبار؛ للتوسل برفع هذه المظالم عنهم ولتخفيض الضرائب، وتنتهي مثل هذه الشكايات بترضيات يراد بها أن تكون ترضيات سياسية، لتوجيه عرب الحجاز ضد الفرس، أو لفتح المجال لتجار الروم بالمرور من الحجاز إلى الجنوب، أو للضغط على التجار لمنع القبائل من التجاوز على حدود الروم, إلى ما شاكل ذلك من أمور.

أما ملوك الساسانيين، فقد كانوا يتاجرون مع العرب، يشترون منهم ويبيعونهم ويرسلون القوافل بأسمائهم إلى العربية الجنوبية؛ لبيع ما تحمله في أسواقها، ولشراء سلع العربية الجنوبية يحملونها إلى أسواق العراق. وقد كانوا يوكلون حراستها إلى جماعة يختارونها من سادات القبائل المهيبين المعروفين، بُجْعلٍ يدفعونه لها، وسأتحدث عن ذلك فيما بعد. ولا أستبعد أن يكون بين تلك القوافل، قوافل حملت ما كان يرسله الأكاسرة إلى عمالهم في اليمن بعد استيلائهم عليها من مؤن وبضائع؛ لتعود بما يفضل من الجباية التي يجبيها مرازبتهم على اليمن، لتكون حصتهم وحصة الخزينة من مال اليمن.

ويظهر من روايات أهل الأخبار أن جماعة من أهل مكة قد تخصصت بالاتجار مع العراق, وقد كان لها تعامل مع كسرى وربما مع كبار رجال دولته أيضًا من أولئك الذين اقتدوا بملوكهم في الاشتغال بالتجارة وبالنزول إلى الأسواق. فإنا

<<  <  ج: ص:  >  >>