للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نجد أناسًا من كبار تجار مكة كانوا يفدون على المدائن، ويتصلون بديوان كسرى، ويتعاملون هناك بيعًا وشراءً, وكانت لهم دالة على ملك المدائن، وربما كان يساعدهم هو نفسه في مال القوافل، أو يُجعَل له نصيب من الأرباح.

أما حدود الدولة الساسانية مع البلاد العربية، فلم تكن ثابتة، بل كانت تتبدل وتتغير بحسب الظروف والأحوال. فقد كانت تتوسع أحيانا، وتتراجع وتتقلص أحيانا أخرى, وكان الساسانيون يتقدمون نحو الجنوب في اتجاه "العروض" وبقية الأقسام الشرقية من جزيرة العرب حين تكون لهم قوة بحرية كافية، وكانوا ينسحبون منها حين تضعف هذه القوة، وحين تلهيهم الأحداث الداخلية وحروبهم مع الروم عن التفكير في الجنوب. وقد كان العرب في عهد الساسانيين وقبله قد استوطنوا السواحل الجنوبية من إيران، وهيمنوا عليها، وكان لقبائلهم أثر خطير هناك, ولا سيما قبل أن تكون الدولة الساسانية, إذ وجدوا في انشغال الدولة إذ ذاك في المنازعات الداخلية فرصة ملائمة لهم، فبسطوا سلطانهم على مناطقهم مثل "كرمان" Karmania وغيرها١؛ ولهذا كان أول ما فعله مؤسس الدولة الساسانية "أردشير الأول" "٢٢٤-٢٤٠م"، "٢٢٥-٢٤١م" "٢٢٦-٢٤١م" أن حارب عرب هذه الأرضين ليخضعهم إلى حكمه، في جملة سياسته التي قررها، وهي القضاء على الإقطاع وعلى الإمارات التي تعددت في هذا العهد نتيجة ضعف الحكومة.

فورد أن "أردشير" سار بعد أن تغلب على خصومه في إيران، لقتال ملك "الأهواز"، فغلبه في معركة حاسمة، واستولى على ولايته، ثم سار نحو "ميسان"، وكان حاكمها عربيًّا، فاستولى عليها٢، وبذلك خضع له العرب الساكنون في المناطق الجنوبية من بلاد إيران.

وذكر "حمزة الأصفهاني" أن "أردشير" ابتنى مدينة بالبحرين سماها "بتن أردشير"، "وإنما سماها بتن أردشير؛ لأنه بنى سورها على جثث أهلها، لأنهم فارقوا طاعته، وعصوا أمره، فجعل سافًا من السور لبنًا، وسافًا جثثًا؛ فلذلك


١ Die Araber, I, S. ٣٨
٢ أرثر كريستينسن، تعريب يحيى الخشاب والدكتور عبد الوهاب عزام، إيران، القاهرة ١٩٥٧م "ص٧٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>