للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تصور قيام الفرس وحدهم وبدون مساعدة باجتياز البوادي الشاسعة المنهكة لملاحقة العرب، وهم سادة البادية. ولم يكن في وسع الفرس، مهما بلغ جيشهم من التدريب والتنظيم, تحمل العطش وحرارة البادية وجوها القاسي الصارم.

وفي رواية المؤرخ "أميانوس" Ammianus عن حروب "سابور" "شابور" الثاني تأييد لرواية "الطبري" عن تلك الحروب وتوثيق لأكثرها. وقد وقعت تلك الحروب في أرض أغلب سكانها من عشائر قضاعة١.

ولضمان الحدود من غارات الأعراب عليها، قوّى "سابور" "المسالح"، بأن وضع بها حاميات عسكرية قوية؛ لمنع الأعراب من التعرض بالحدود, كما أقام خندقا عرف بـ"خندق سابور" ليحول بين الأعراب والدنو من الحضر. وقد أباح لرجال الحاميات التي وضعت على الخندق، إقامة الأبنية وزرع الأرض واستثناهم من دفع الخراج٢.

وقام "سابور" بعمليات واسعة لإجلاء القبائل من منازلها إلى منازل أخرى جديدة؛ تأديبًا لها، وضمانًا لعدم قيامها بغارات على الحدود. وهي سياسة قديمة معروفة، استعملتها الحكومات في تأديب القبائل؛ فكان الآشوريون يجلون القبائل من مواطنها إلى مواطن جديدة، قد تكون بعيدة عن منازل القبيلة القديمة. وقد أجلى "سابور" بعض عشائر "تغلب" إلى البحرين, حيث أنزلو "دارين" وهي "هيج"، وأسكن عشائر أخرى "الخط", ونقل بعض عشائر "بكر وائل" إلى "كرمان" و"أبان"، حيث عرفوا بـ"بكر أبان", ونقل "بني حنظلة" إلى "الرملية" من "الأهواز" "خوزستان". ويرى "نولدكة" احتمال كون "الرملية" موضع "قرية الرمل"، الواقع على مسيرة يوم واحد عن "شوشتر", ونقل قومًا من "عبد القيس" وتميم إلى "هجر"٣.

وفي جملة ما وضعه "سابور" من خطط لحفظ "السواد" وحفظ الحدود، إقامة "أنابير" أي: مخازن في المواضع المهمة؛ لخزن الأسلحة والأطعمة لتوزيعها


١ AMMIANUS, ١٦, ٩, ٣-٤, DIE ARABER, III, S. ١١٠, AULTHEIM-STIEHL,
FINANZGESCHICHTE DER SPATANTIKE, "١٩٥٧", S. ٣٥, ٣٨
٢ DIE ARABER, II, S. ٣٤٩
٣ DIE ARABER, II, S. ٣٥١

<<  <  ج: ص:  >  >>