وقد اقتضت هذه الأعمال التجارية الواسعة تكوين علاقات سياسية واقتصادية مع الفرس والرومان والروم والقبائل العربية في البادية التي لم يكن من الممكن مرور قوافلها في أرضها بسلام ما لم يتفق مع سادتها على دفع إتاوة سنوية، أو جعل معلوم. ولضمان سلامة قوافلها، اضطرت كما اضطر غيرها إلى إرسال حراس معها وإلى إنشاء مواضع للحماية والاستراحة في مواضع متعددة من البادية. ونجد في الأخبار أن التدمريين جمعوا فأول أهل المدينة الذين سرحوا من الجيش الروماني أو الذين أجبرهم الاضطراب أو ضعف قادة الجيش الروماني، أو عنجهيتهم على ترك الخدمة في جيش الرومان، وألفوا منهم جيشًا درب تدريبًا حسنًا، وصار قوة مقاتلة متفوقة على قوات الأعراب بما توفر عندها من حسن التدريب والطاعة والنظام، واستطاعوا بهذه القوات من الهيمنة على أبناء البادية الجياع إلى الغزو والسلب ونهب القوافل، ووضعوا لهم حاميات في المراكز الضرورية الحساسة. فقد ورد في الكتابات أنه كان لهذه المدينة حامية "Militia" في "عانة" "عاناتا" "Anath" = "Anatha" في عام "١٣٢" و"٢٢٥" بعد الميلاد، وفي "الحيرة "Hirtha" في سنة "١٣٢" بعد الميلاد وفي "دورا" "Doura" في سنة "١٦٨" و"١٧٠" للميلاد١.
وقد عثر على مدافن بمقربة من القدس وجدت فيها كتابات تدمرية دونت عليها أسماء أصحاب تلك القبور، ويظهر أنهم من جنود "تدمر" الذين التحقوا بالجيش الروماني، وخدموا فيه، وقد اشتركوا مع الرومان في محاصرة القدس. ويجوز أن يكون بعضهم من التجار جاؤوا إلى هذه المدينة، فأقاموا بها للاتجار.
وقد كون الرومان فرقًا من الجنود التدمريين المرتزقة الذين التحقوا بالجيش الروماني، فاستفادوا منهم في قتال القبائل الغازية بصورة خاصة وفي القتال في البوادي لخبرتهم بها ولقدرتهم على القتال في هذه المواضع وتمكنهم منها، كما استخدموهم في قتال الفرس ومن كان في خدمتهم من الأعراب. واشتهر التدمريون في فن الرماية، فكانوا في أيامهم من خيرة الرماة بالسهام، ولذلك استعان بهم الرومان وألفوا كتائب منهم اشتهرت في الحروب. ولما سقطت "تدمر" احتفظ
١ Byrtus. Vol., Iii, Fasc., I, ١٩٤٣, P.٢٥, ٥٥, Cih. Ii. ٣٩٧٣. A. Cantineau: Syria.