للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر بعض المؤرخين أن "أذينة" الذي نتحدث عنه كان ابنًا لـ "أذينة" ابن "خيران" ووالد "سبتيميوس خيران"، وأنه كان قد هرب إلى الجبال وألف حياة البداوة والربى منذ صغره لينتقم من الرومان الذين اغتال قائدهم "روفينوس" "Rufinus" أباه١. فلما انتقل الحكم إليه، عمل جهده على الأخذ بثأر أبيه، فراجع "فاليريانوس" "والريانوس" شاكيًا إليه ما فعله "روفينوس" بأبيه، طالبًا منه إنزال العقاب به. أما القيصر، فلم يأبه لهذه الشكوى, ولم يحسب لها حسابًا، فغاظ ذلك "أذينة" وأزعجه وحمله على التفكير في الاتصال بأعداء الرومان، وهم الفرس٢. فلما بلغه نبأ زحف "فاليريانوس" على الفرس في عام "٢٥٩" بعد الميلاد وخيانة قائده "مكريانوس" وسقوط القيصر أسيرًا في أيدي الفرس على مقربة من "الرها"، أرسل رسلًا إلى "سابور" حملهم هدايا كثيرة وكتابًا يتودد فيه إليه ويظهر رغبته في مصالحته ومحالفته. فلما بلغ الرسل معسكر الملك، وطلبوا ملاقاته لإبلاغه الرسالة، استكبر عليهم وتجبر، وأظهر عجبه من تجاسر "شيخ" على الكتابة إليه، ومخاطبته مع أنه "ملك الملوك"، وهو رئيس مدينة في بيداء قفرة لا قيمة لها ولا أهمية! ومن يكون أذينة؟ هذا الرجل الذي دفعته حماقته إلى التجاسر على سيده بالكتابة إليه؟ فإن كان له أمل في عقوبة خفيفة، فليأت إلي ويداه مغلولتان على ظهره! وإن لم يفعل، فليعلم بأني سأهلكه وأهلك أسرته وأنزل الدمار بمدينته؟ ثم مزق الرسالة، ورمى بالهدايا تحت قدميه٣. فعاد الوفد كاسف البال خائفًا مما قد يقوم به هذا الملك المغرور الطائش من عمل تجاه مدينة خسرت الرومان، ولم تحظ بالاتفاق مع الساسانيين.

ولما رجع الرسل إلى تدمر وأعلموه بما جرى، قرر الأخذ بثأره من هذا الملك المتغطرس الطائش، فجمع القبائل بظاهر تدمر وجعلها تحت امرة ابنه "هروديس"، وضم إليها فرسان تدمر بقيادة "زبدا" كبير قواده، وقواسيها


١ Oberdick, S. ٢٢, Wright, P.١١٥.
٢ "والريانوس"، "والريبانوس"، الطبري "١/ ٧٤٣"، "ليدن".
٣ أمر سابور برمي الهدايا في النهر،
Oberdick, S., ٢٣, Wright, P.١١٨ Gibbon: The Decline And Fall Of The Roempire, Vol., I, P.٢٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>