للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"كاليستوس" سيده "كياثوس" ورمى برأسه من فوق السور تحت قدمي "أذينة" ثم فتح له أبواب المدينة والتمس منه الأمان، فمنحه إياه ودخل المدينة في سنة "٢٦٢" للميلاد١.

ولم يكن استسلام أهل "حمص" للتدمريين أمرًا سهلًا عليهم فقد كانت بين الفريقين شحناء وبغضاء. نظر أهل حمص إلى أهل تدمر نظرة ازدراء وغضاضة، إذ كانوا يرونهم ناسًا أجلافًا، ليس لهم حظ من حضارة وثقافة، أهل بادية حفاة جفاة. وقد يكون لاتصال حدود "تدمر" بحدود حكومة "حمص" وغارات أعراب تدمر على أرض حمص يد في خلق هذا النزاع. وقد لاقت حمص من استيلاء أهل تدمر عليها عنتًا شديدًا إذ حل بها دمار وخراب لرفضها الاستسلام لـ "برابرة تدمر"٢.

لقد سقطت حمص في أيدي التدمريين، بالرغم من تضرع أهلها وتوسلهم بالإلهة "الشمس" لتنصرهم على أعدائهم وتنزل بهم خسائر فادحة. وقد كانوا من عبادها المخلصين. ولكن أهل تدمر كانوا يتعبدون للشمس كذلك، وقد توسلوا وتضرعوا إليها لتنصرهم على أعدائهم أهل حمص. لقد كان موقف "الشمس" موقفًا حرجًا. فالطرفان المتخاصمان من عبادها. وقد أقام كل منهما معبدًا ضخمًا فخمًا لعبادتها، زوقت أبوابه وذهبت قبابه، وكل منهما يتوسل إليها، فأي طرف تؤيد إذن؟ والظاهر أن اختيارها وقع على تدمر إذ انتصروا على أهل حمص ودخلوا المدينة ظافرين٣.

وسر "أذينة" ولا شك من هذه النتيجة، فقرر بعد استراحة جنوده بضعة أيام أن يسير نحو الشمال للقضاء على المنشقين. وبينا هو في طريقه، تلقى أنباء تمرد "كاليستوس" وخروجه عليه وإعلان نفسه ملكًا، فأمر نفرًا من رجاله بالذهاب إلى معسكر "كاليستوس" لاغتياله، فذهبوا إليه، وتمكن فارس من الدخول إلى خيمته وقتله٤. عندئذ تحسن موقفه، فسار إلى الجزيرة، وتعقب الفرس فقبض على عدد من "المرازبة" "Satrapen" وأرسلهم إلى "رومة"، وأظهر


١ المشرق، السنة الأولى، الجزء ١٥، آب ١٨٩٨م "ص ٦٨٧".
٢ Petr. Patr. Fra., ١٦٧, Dio, Ed: Boiss, ٣, ٧٤٤, A. Alfoldi In: Berytus, ٥, ٨٤, Die Araber, Iii, S., ٢٥١.
٣ Die Araber Ii, S., ٢٥٠.
٤ المشرق، العدد نفسه "ص ٦٨٧". Trebellius, Trig. Tyr., ١٧,

<<  <  ج: ص:  >  >>