للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و"فريجية" و"غلاطية" و"قيادوقية"، وكانوا يقصدون من وراء زحفهم هذا التوسع والاستيلاء على آسية الصغرى وبلاد الشأم وكل ما يمكن الاستيلاء عليه من بلاد الشرق. فلما علم "القوط" بمجيء "أذينة" هربوا إلى ميناء "هرقلية" مسرعين، ومنه ركبوا إلى بلادهم التي جاءوا منها١. فقرر عندئذ الرجوع إلى العراق لفتح "طيسفون". ويبنما كان "أذينة" في "حمص" لإراحة الجند، أعد وليمة كبيرة تذكارًا ليوم ميلاده حضرها قواده وكبار القوم. فانتهز "معنى" "Maeonius" ابن أخيه "خيران" هذه الفرصة، فقتل هو وعصابته عمه "أذينة "وابن عمه "هيرودس" "Herodus"، لاغتصاب عمه منه ملكه الذي ورثه من أبيه. ونادى بنفسه ملكًا على المملكة التي أنشأها وكونها "أذينة" القتيل، وبذلك استرجع حقه من المقتول. ولكن حياة القاتل كما يقول المثل الشرقي لا تطول، وذلك قولهم: "بشر القاتل بالقتل"، فما كاد يتربع على العرش أيامًا حتى انتقمت منه سيوف "حمص"، وألحقته بالعالم الواسع الذي ذهب إليه القتيلان "٢٦٦-٢٦٧م"٢.

ما أعجب الحياة. في مدة قصيرة طفر فيها رجل "تدمر" من رئيس في مدينة صحراوية إلى ملك على عرش مملكة، فقائد كبير في أعظم انبراطورية في عالم ذلك الزمن، ومنافس للقيصر وملك على الشرق، وفي لحظة واحدة انتقل فيها هذا القائد الملك من هذا العالم إلى عالم القبر، إنها الحياة لا بد لها من نهاية مهما بلغ الإنسان من منزلة ومكانة، لا تعرف قوة وصولة ولا فقرًا وضعفًا، الجميع إلى هذه النهاية منتهون، وللفيلسوف أن يستخرج منها حكمة الحياة.

هل قتل "معنى" عمه لاغتصابه حقه الطبيعي في الملك؟ أو قتله لأسباب أخرى؟ وهل كان لأحد مثل الملكة "الزباء" ضلع في الحادث؟ وهل كان للرومان يد في هذه الجريمة؟ وهل كان للحزب الوطني التدمري الذي كان يكره اليونان والرومان وكل سيطرة غريبة يد في هذا الاغتيال؟ لما عرف عن "أذينة"


١ المشرق، السنة الأولى، الجزء ١٥، "١٨٩٨م"، "ص ٦٩١".
٢ راجع خبر مقتل "أذينة" والعداء الذي كان بينه وبين "معنى" والنزاع الذي حدث بينهما حين كانا في الصيد في مجلة المشرق، السنة الأولى، الجزء ١٥، "١٨٩٨م"، "ص ٦٩١ وما بعدها".
Oberdick, S., ٣٨, Zosim, I, ٣٩, Treb. Poll., ٣٠, Tyr. ١٥, Gibbon, I, P.٢٦٣, Vaughan: Zenobia, P.٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>