للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من دفاعه عن الانبراطورية الرومانية وحماسته في الدفاع عنها؟ هذه أسئلة سألها المتعمقون في تأريخ "تدمر" والباحثون فيه، وأجابوا عنها أجوبة مختلفة. فمنهم من رأى أن الجريمة هي انتقام شخصي بسبب اغتصاب "أذينة" حق القاتل الذي ورثه من أببه، ومنهم من رأى أنها مسألة مدبرة مدروسة وأن للزباء يدًا فيها. ومنهم من رأى أنها بتدبير الرومان وعلمهم، فعلوها للتخلص من رجل أخذوا يشكون في إخلاصه، ويرتابون منه. ومنهم من رأى عكس ذلك: رأى أنها فاجعة للرومان وخسارة كبيرة لسياستهم في الشرق، وأنها من أعمال الوطنيين الذين رأوا في ملك تدمر أداة طيعة مسخرة في أيدي سادة "رومة" فقرروا لذلك الانتقام منه.

أما نحن فنرى أن من الصعب البت في سر قتل "أذينة" وابنه، فالأخبار الواردة في هذا الموضوع غامضة، والأدلة غير متوفرة، ومبايعة الجيش وقواده للقاتل في سرعة ومن غير كلام أو قتال، ثم قيام أهل حمص بقتل القاتل بعد أيام، وتولي الملكة "الزباء" الحكم بعده وبسرعة هي قضايا فيها نظر. ولهذا تعددت الآراء، ولن تتفق ما دامت الروايات المقدمة إلينا على هذا النحو من التعقد والأمور١.

أظهر "أذينة" مقدرة فائقة جديرة بالإعجاب، استطاع أن يكون جيشًا قويًّا يخيف الفرس ويلحق بهم الخسائر ويكتسب تقدير الرومان واحترامهم في مدة قصيرة، واستطاع أن يكون من القلعة الصغيرة المبنية في البادية مملكة كان لها أثر خطير في النزاع السياسي العسكري بين الرومان والفرس. لقد قام بعمل عسكري عظيم في محاولاته الحربية لإنقاذ القيصر "والريانوس" محاولات لم يقم بها سيد "رومة" وابن القيصر الأسير ولا أتباعه الرومان. لقد "أرسلته الشمس أسدًا مخيفًا مرعبًا"٢.

لقد وقعت في أيام "أذينة" أحداث خطيرة عظيمة في الشرق الأدنى بين المعسكرين: المعسكر الشرقي وهو معسكر الفرس، والمعسكر الغربي وهو معسكر الرومان يساعدهم التدمريون. كانت انتصارات الفرس في سنة "٢٦٠" بعد الميلاد،


١ المشرق، السنة الأولى، الجزء ١٥، "١٨٩٨م"، "ص ٦٩٣".
Oberdick, S., ٤٠, Gibbon, I, P.٢٦٣, Vaughan: Zenobia, P.٦٠.
٢ Oracula: Sibyllinus, Vv, ١٦٩, Berytua, Vol., Viii, Fasc., I, ١٩٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>