للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورأت الملكة الحذر من الفرس، وذلك بتقوية حدود مملكتها، فأمرت بإنشاء حصن "زنوبيا" "Zenobia" على نهر الفرات، ليقف أمام الهجمات التي قد يوجهها الساسانيون عليها من الشرق١. ويقول "بوركوبيوس" أنه سمي بهذا الاسم نسبة إلى الملكة مؤسسته٢.

وقد اتبعت "الزباء" بعد مقتل زوجها سياسة عربية، سياسة تعتمد على التقرب من الأعراب والتودد إليهم، والاعتماد عليهم في القتال والحروب. وذلك بعد أن رأت أن الرومان هم أعداء تدمر، وأنهم لا يفكرون إلا في مصالح الرومان الخاصة. وبهذه السياسة تقربت أيضًا إلى العناصر العربية المستوطنة في المدن، وأخذت تعمل على تكوين دولة عربية قوية واحدة بزعامتها، وخاصة بعد أن أدركت أن الأعراب قوة لا يستهان بها، وأنهم لو نظموا واستغلوا استغلالًا جيدًا، صاروا قوة يحسب لها كل حساب، فأخذت تعمل لتكوين هذه القوة، ولكن الرومان كانوا أسرع منها، فقضوا على مآربها قبل أن تتحقق، فاستولوا على تدمر وأزالوا مملكة ملكة الشرق٣.

وجهت "الزباء" أنظارها إلى مصر، ووضعت الخطط للاستيلاء على هذا القطر، بعد أن مهدت لنفسها الدعوة فيه بإعلانها أنها مصرية وأنها من نسل الملكة "كليوبطرة" "قلبطرة" فلها إذن فيه ما يسمح لها بالتدخل في شؤونه، وأخذت تترقب الفرص وتتحين الأسباب، فلما قتل القيصر "غاليانس" سنة "٢٦٨" للميلاد، وانتقل الحكم إلى "أوريليوس فلوديوس" "Marcus Aurelius Claudius" "٢٦٨-٢٧٠م"، وجدت الجو صالحًا للتدخل، كان الألمان "Alemannen" قد هاجموا حدود الانبراطورية في مطلع هذا العام، وكان "الغوط" "القوط" "Gothen" "Goths" قد أربكوا الدولة. وكان أثر الخسارة التي ألحقتها الملكة في الجيش الروماني، ومقتل "هرقليانوس" بالغًا في نفوس الرومان، يتجلى في صياح أعضاء مجلس الشيوخ بصوت واحد سبع مرات في أثناء مبايعة القيصر الجديد: "ياقلوديوس أغسطس نجنا من فكتوريا ومن زنوبيا، ياقلوديوس


١ Oberdick, S., ٤٣.
٢ Procopius, History Of The Wars, Ii, V, Iv-Vi, P.٢٩٥.
٣ Die Araber, Ii, S., ٢٧٠, Vi, S., ٢٧٠

<<  <  ج: ص:  >  >>