للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويظهر من هذه النصوص أن شأن الصفويين بالروم لم يكن يختلف عن شأن سائر العرب بهم وبأمثالهم من الدول الأجنبية مثل الفرس، فهم مضطرون بحكم وضعهم إلى التسليم لسلطان الدول الأجنبية ما داموا ضعفاء لا يستطيعون مقاومة الأعاجم، فإذا تغيرت الأحوال، وظهرت مواضع ضعف في الأجنبي، اهتبل الأعراب الفرص، فانقلبوا عليه حتى يرضيهم أو يظهر قوته، وهكذا كان الصفويون ينتهزون الفرص، فمتى وجدوا ثغرة في سلطان الروم وموضع ضعف في حراسة حدودهم، هاجموهم منها حتى ينالوا ما يبتغون من مغنم، وقد ينقلب الحادث عليهم بالطبع، لسوء تقدير في الموقف، وهذا ما يحدث في كل غزو أو حرب، وهو شيء طبيعي فقد ينتصر المحارب فيربح، وقد يندحر فيخسر كل شيء.

ويلاحظ من الكتابات الصفوية أن أصحابها كانوا ينزعون نزعة شديدة إلى تخليد أنفسهم وإبقاء آثارهم وذكرياتهم بكل الطرق الممكنة، فأرخوا بكل حادث كان معروفًا عندهم، حتى بحادث ولادة ماشيتهم، أو مقتل أحدهم، أو فرض غرامة مالية على أحدهم، أو سفر أحد منهم وبأمثال ذلك من حوادث صغيرة تافهة، ولكنها مع ذلك وعلى الرغم مما يبدو عليها من سذاجة تدل على وجود نزعة قوية لديهم لتأريخ كل ما يقع عندهم وتدوينه، ليطلع عليه غيرهم ممن يمر بالأماكن التي نزلوا بها١. هذا وما زال الأعراب وأهل القرى عندنا يسجلون حوادثهم على النحو المذكور من تسجيل التواريخ.

وللطابع الشخصي الذي تحمله الكتابات الصفوية، لم نتمكن من الاستفادة منها من الوجهة السياسية والعسكرية، فلم نعثر فيها على اسم ملك، لا عربي ولا أجنبي، ولم نعثر فيها على موضوع سياسي يشير إلى الحالة السياسية التي كانت في العراق أو في بلاد الشأم أو في جزيرة العرب في تلك الأيام، ولم نتمكن أيضًا من الخروج منها بأية فكرة عن نوع الحكم الذي كان يعيش فيه الصفويون: أكانوا في حكم ملوك، على شاكلة عرب الغساسنة؟ أم كانوا قبائل متنقلة خاضعة لسلطان الروم، حين تكون في بلاد الشأم، وحرة طليقة حين ترد البادية؟

وقد وردت في الكتابات الصفوية أسماء قبائل، منها: "بدن" و"بعر"


١ راجع النصوص الصفوية.

<<  <  ج: ص:  >  >>