للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهم المعز والغنم والحمير والبقر، وهي من الحيوانات التي تحتاج إلى رعي ومراعي١. ولذلك يجب أن يكون أصحابها من طبقة الرعاة. وقد كانت حياتهم حياة رعي، نجدهم في الشتاء في مكان، ثم نجدهم في الصيف في مواضع أخرى قريبة من الجبال حيث يكون الجو لطيفًا والمياه كثيرة، ليكون في استطاعتهم الابتعاد من حر الحرار ومن سموم الأرض القاحلة في الصيف، ولتستمتع ماشيتهم بجو لطيف فيه ما يغريها من خضرة نضرة ومن ماء عذب زلال.

إن في بعض هذه الكتابات تعبيرًا عميقًا عن ذكاء فطري يعبر عن طراز حياة الصفويين، فكتابة مثل: "ورعى همعز وولد شهى"، ومعناها: "ورعت المعز وولدت الشياه"، أو "ورعى بقر هنخل"، أي "ورعت البقر في هذا الوادي"، أو "وقف على قبر فلان وحزن"، هي تعابير، وإن بدت ساذجة مقتضبة لا يكتبها حضري، غير أنها تمثل في الواقع ذكاءً فطريًّا عميقًا، ونوعًا من التعبير عن حس أهل البادية أو أهل الرعي، وهو حس مرهف فيه بساطة وفيه اقتضاب نبتا من وحي الصحراء البسيطة الممتدة إلى ما وراء البصر على نمط واحد، وشكل لا تغيير فيه ولا تبديل. وكتابات يكتبها أناس يحيون بعيدين عن حضارة المدن، ويعيشون بين أشعة الشمس وضوء القمر في بيوت وبر أو شعر معز ولا تقي ولا تنفع إلا بمقدار، لا يمكن أن تكون إلا على هذا النحو من البساطة، ولكنها بساطة ذكي يحاول بذكائه التعبير عن حياته تلك.

ونجد هذا الذكاء الفطري في الصور المرسومة للحيوانات، فقد أراد مصوروها أن يعبروا عن غرائزهم الفنية بصورة محسوسة ترى، فرسموا صور حيوانات ألفوها ورأوها، بصورة بدائية، ولكنها معبرة أخاذة، ورسموا بعض المناظر المؤثرة في حياتهم مثل الخروج للصيد ومعارك الصيد، فنرى على بعض الأحجار فارسًا وقد حمل رمحًا طويلًا، ونرى مشاة وقد حملوا أقواسًا وتروسًا صغيرة مستديرة لوقاية أجسامهم من السهام أو من الحيوان، ونرى رجالًا يطاردون غزالًا أو ضأنًا، ونرى أناسًا فرسانًا ومشاةً يطاردون أسدًا٢، ونرى غير ذلك من صور بدائية من هذا القبيل، مهما قيل فيها، فإنها صور رائعة لا يمكن أن يحفرها


١ العرب في سوريا "١٠٧".
٢ العرب في سوريا قبل الميلاد "ص ١٠٧ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>