للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويمكن أن نقول استنادًا إلى روايات الأخباريين في تحديد مدلول الكلمة، واقتصارها على نصارى الحيرة دون غيرهم من نصارى العرب: إن هذه الكلمة أطلقت في الأصل على من تنصر من أهل الحيرة، ليميزوهم عن غيرهم من سكان المدينة من الوثنيين. ولم يكن أولئك النصارى في بادئ أمرهم بالطبع إلا فئة قليلة، ثم توسعت من بعد. فلما انتشرت النصرانية في الحيرة لازمت هذه التسمية جميع نصاراها، كائنًا من كانوا، وصارت علمًا لهم، لم تميزهم عن الوثنيين حسب، وإنما ميزتهم أيضًا عن بقية النصارى العرب من غير أهل الحيرة فلما مضى زمان طويل على هذا الاستعمال، ظن المتأخرون أنه علم، ثم حاروا في تعليله، فأوجدوا على طريقتهم تلك التعليلات.

ولعل العباد والعباديين من كلمة "عبد" في الأصل، أطلقها متنصرة الحيرة الأولى على نفسها؛ لأنها تعبدت لإله، لتميز نفسها عن الوثنيين. أو أن أولئك الوثنيين أطلقوها على أولئك المتنصرة، تمييزًا لهم عن سائر الوثنيين. وقد يكون لـ "عبد المسيح" علاقة بهذه التسمية كذلك. وهي تسمية شائعة بين النصارى شيوع "عبد الله" بين المسلمين١.

ولا أستبعد أن يكون العباد والعباديين، هم بقية "اباديدي" "Abadidi" أو "إباديدي" "Ibadidi"، الذين تحدثت عنهم في أثناء كلامي عن الآشوريين.

وقد كان العباديون أكثر أهل الحيرة ثقافة، حذق بعضهم الصناعات ودرس بعضهم العلوم، وفاق بعض آخر في اللغات فحذق العربية وتعلم الفارسية، وكانوا يتقنون في الغالب لغة بني إرم بحكم تنصرهم واعتبار النصارى لها لغة مقدسة؛ لأنها لغة الدين، لذلك كان لهم وجه ومقام في الحيرة، ولهذا السبب اختار الفرس تراجمتهم ومن كان يتولى المراسلة بينهم وبين العرب من هؤلاء، كالذي كان مع "زيد العبادي" والد "عدي".

وأما "الأحلاف"، فهم الذين لحقوا بأهل الحيرة ونزلوا فيها، ولم يكونوا في الأصل لا من تنوخ، ولا من العباد الذين دانوا لـ "أردشير"٢.

وقد كان بين أهل الحيرة جماعة من النبط٣، كما كانت بينهم جماعات من


١ Noldede, Sassa, S. ٢٤, Rothstein, S. ٢١.
٢ حمزة "٦٦".
٣ الأغاني "٨/ ٦١".

<<  <  ج: ص:  >  >>