للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن لا نريد أن ننكر وجود الغريين، فليس إلى نكرانهما أو نكران "الغري" من سبيل. ولكننا كما قلت ننكر هذا القصص الذي يرويه الأخباريون عن هذين الغريين؛ لأنه قصص نشأ كما نشأ أمثاله عن جهل الناس أو أهل الأخبار بأصول الأشياء، فلما احتاجوا إلى معرفة الأسباب، أوجدت لهم مواهبهم هذا القصص الطريف، وهو أمر لم ينفرد به زمان دون زمان، فما زال الناس يبتدعون قصصًا ثم يروونه، ويتناقلونه على أنه شائع صحيح. مع أن تأريخ ابتداعه لا يبعد عن زماننا بكثير، وأهل الحي بهذا القصص عارفون.

أما أن الغريين حفرتان دفن في كل حفرة منهما رجل حي؛ لأنه عربد وسكر، وتحدث بكلام غاظ الملك، وما أشبه ذلك من قصص، فأمر لا نستطيع أن نقف منه موقفًا إيجابيًّا، ولا نسلم به. ففيه شيء من أثر الصنعة والتكلف، ولكننا نستطيع أن نقول أن الغري أو الغريين من المواضع التي كانت لها صلة بعبادة الأوثان، ومن الجائز أنهما كانا مخصصين لتقديم الذبائح والقرابين في المواسم الدينية وفي الأعياد. وقد عرفت مثل هذه العادات عند شعوب أخرى، فكانت تهرق دماء الذبائح عند الأنصاب ثم تطلى بها، وما الغريان إلا نصبان من هذه الأنصاب. على أن الأخباريين أنفسهم قد ذكروا أن الغري نصب كان يذبح عليه العتائر، كما ذكروا أن الغريين كانا طربالين، والطربال صومعة على رأي، وشيء مرتفع عند الأكثرين١. فلا يستبعد أن يكون الغريان موضعين من مواضع ذبح القرابين للأصنام.

ويذكر أهل الأخبار أن "شريك من مطر"، وهو جد "معن بن زايدة"، كان من أكبر الناس عند المنذر. وكان له ولد اسمه "الحارث" ويلقب بـ "الحوفزان" وهو من بني "شيبان"٢.


١ البلدان "٦/ ٢٨٢".
٢ الاشتقاق "ص ٢١٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>