للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وورد في بعض الروايات أن "المنذر بن ماء السماء"، خرج في يوم بؤسه، وكان يومًا يركب فيه فلا يلقى أحدًا إلى قتله، فلقي في ذلك اليوم "جابر بن رألان" أحد "بني ثعل" ومعه صاحبان، فأخذتهم الخيل بالثوية، فأتى المنذر فقال: اقترعوا، فأيكم قرع، خليت سبيله، وقتلت الباقين. فاقترعوا فقرعهم جابر، فخلى سبيله، وقتل صاحبيه، فلما رآهما يقادان ليقتلا، قال عز بز. ورووا في ذلك شعرًا نسبوه إلى جابر١.

ومن الأخباريين من نسب بناء الغريين إلى النعمان الثالث. ومنهم من نسبهما إلى جذيمة، وذهب آخرون إلى نسبة الغري إلى الحارث الغساني٢. ويرينا هذا الاختلاف مبلغ جهلهم بأصل الغريين.

وقد ذكر "النويري" أن الغريين أسطوانتان كانتا بظاهر الكوفة، بناهما "النعمان بن المنذر بن ماء السماء" على جاريتين كانتا قينتين تغنيان بين يديه، فماتتا، فأمر بدفنهما، وبنى عليهما الغريين. وذكر أيضًا أن "المنذر غزا الحارث ابن أبي شمر الغساني، وكان بينهما وقعة عين أباغ، وهي من أيام العرب المشهورة، فقتل للحارث ولدان، وقتل المنذر، وانهزمت جيوشه، فأخذ الحارث ولديه وجعلهما عدلين على بعير، وجعل المنذر فوقهما، وقال: ما العلاوة بدون العدلين؟ فذهبت مثلًا، ثم رحل إلى الحيرة، فانتهبها وحرقها، ودفن ابنيه بها، وبنى الغريين عليهما". وقد ذكر أن "المنصور" أمر بهدم أحدهما، لكنز توهم أنه تحتهما، فلم يجد شيئًا٣.

وهذا الذي يرويه أهل الأخبار عن سبب بناء الغريين، هو من القصص الذي ألفناه، وعودنا أصحاب الأخبار سماعه، فلا قيمة تأريخية له في نظرنا، وإن أكد لنا الأخباريون أو حاولوا التأكيد بأنه حق، وأنه أمر مسلم به وشائع معروف، وأن عبيدًا لقي حتفه لظهوره يوم بؤس المنذر أو النعمان. وقد يكون ذلك مسلمًا به عندهم، غير أننا لسنا من السذاجة بحيث نصدق بأمثال هذا القصص لمجرد أنه شائع معروف، فليس كل شائع معروف أمرًا صحيحًا يجب الأخذ به.


١ الفاخر "ص٧٣".
٢ Rothstein, S. ١٤٠.
٣ نهاية الأرب "١/ ٣٨٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>