للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويصفه أهل الأخبار بالشدة والصرامة، بل جعلوه شريرًا، وزعموا أنه كان له يوم بؤس ويوم نعيم، فيوم يركب في صيده يقتل أول من لقي، ويوم يقف الناس ببابه فإن اشتهى حديث رجل أذن له، فكان هذا دهره١. وقالوا: إنه كان لا يبتسم ولا يضحك. وكانت العرب تسميه "مضرط الحجارة" لشدة ملكه، وكانوا يهابونه هيبة شديدة، وكان عاتيًا جبارًا ويسمى محرقًا أيضًا؛ لأنه حرق بني تميم، وقيل: بل حرق نخل اليمامة٢.

وقد وصف الشاعر "الرهاب العجلي" الملك "عمرو بن هند" بأنه ملك "يعتدي ويجور" وذلك في معرض وصفه للسدير٣. وقد أصحبت الحيرة موئل الشعراء في أيام عمرو بن هند، فلأكثر مشاهير الشعراء الجاهليين خبر مع هذا الملك، كانوا يحضرون إليه من أماكن نائية لإنشاده شعرهم ولنيل جوائزه، ولم تكن مجالسه لتخلو من منافسة الشعراء بعضهم لبعض، ومن نقد بعضهم شعر بعض، كالذي حدث بين طرفة والمسيب بن علس على ما يذكره الأخباريون٤. وقد كانت لمثل هذه المنافسات أهمية كبيرة في مجتمع ذلك اليوم، لما كان لها من أثر في نفوس القبائل، وطالما أدت إلى غضب القبائل وغضب الملك نفسه، وغضب الشعراء على منافسيهم وعلى الملك، لاعتقادهم بتحزبه لأحد الخصمين.

وذكر بعض الرواة أن سبب هجاء "طرفة" عمرو بن هند أن عمرو بن هند كان يتباطأ في مجلسه في استقبال الناس. فإذا جلس لشرابه، أخذ الناس بالوقوف على بابه حتى ينتهي من مجلس أنسه، فيسمح عندئذ لذوي الحاجات بالدخول عليه، كما كان يصرف وقته بالتلهي بالصيد والقنص، مما جعل وقته


١ شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، للأنباري "ص ١٢٢"، العقد الثمين في دواوين الشعراء الستة الجاهليين "ص٣١٧".
٢ خزانة الأدب "١/ ٤١٧"، شعراء النصرانية "١/ ٣٠٥".
٣
أبى القلب أن يهوى السدير وأهله ... وإن قيل: عيش بالسدير غرير
فلا أنذر الحي الذي نزلوا به ... وإني لمن لم يأته لنذير
به البق والحمى وأسد خفية ... وعمرو بن هند يعتدي ويجور
الأغاني "٢١/ ٢٩٥" "القسم الثاني"، بيروت "١٩٥٧".
٤ شعراء النصرانية "ص ٣٠٤، ٣٥٠ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>