للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يضيق عن استقبال الناس، فصاروا يتكالبون على بابه ليجدوا وقتًا يدخلون فيه عليه، فاستاء طرفة من هذه المعاملة. وقال شعرًا يهجوه فيه، كان في جملة ما جاء فيه.

فليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثًا حول قبتنا تخور

لعمرك إن قابوس بن هند ... ليخلط ملكه نوك كثير

قسمت الدهر في زمن رخي ... كذلك الحكم يقصد أو يجور

فبلغ الشعر "عمرو بن هند"، أبلغه إياه "عبد عمرو"، وكان من سادات الناس في زمانه، وكان زوج أخت "طرفة"، وقد هجاه "طرفة" أيضًا. فلما أنشد "عمرو بن هند" هجاء طرفة له على سبيل المزاح والاستخفاف بشأنه، قال له "عبد عمرو": أبيت اللعن! ومما قال فيك أشد مما قال في فأنشده الأبيات. فقال عمرو بن هند: أو قد بلغ من أمره أن يقول في مثل هذا الشعر. فكتب إلى رجل من عبد القيس بالبحرين، وهو المعلى ليقتله. فقال له بعض جلسائه: إنك إن قتلت طرفة، هجاك المتلمس وهو رجل مسن مجرب، وكان حليف طرفة، وكان من بني ضبيعة. فأرسل عمرو إلى طرفة والمتلمس فكتب لهما إلى عامله بالبحرين ليقتلهما، وأعطاهما هدية من عنده وحملهما، وقال١: قد كتبت لكما بحباء، فأقبلا حتى نزلا الحيرة، وارتاب المتلمس بأمر الصحيفة واستقبال عمرو لهما، ففك ختمها وعرضها على غلام من أهل الحيرة، فقرأها، فإذا فيها أمر بقتله، فأخذ الصحيفة فقذفها في البحيرة وقال:

وألقيتها بالثني من جنب كافر ... كذلك ألقي كل رأي مضلل

وأشار على طرفة بفك خاتم صحيفته أيضًا ليقرأها له، ولكنه أبى، وذهب إلى صاحب البحرين، فوجد هناك نهايته في قصص منمق محبر يرويه أهل الأخبار٢.


١ الشعر والشعراء "ص٨٩ وما بعدها"، "ليدن".
٢ شرح المعلقات السبع، للزوزني "ص٤٢ وما بعدها"، الأغاني "٢١/ ١٢٥". ديوان طرفة بن العبد "ص٩". شرح القصائد العشر، للزوزني "١٠"، الشعر والشعراء "ص٨٥ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>