للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم ينتقل الملك إلى النعمان بسهولة، فقد كان للمنذر جملة أولاد حين أتته المنية، عدتهم ثلاثة عشر ولدًا معظمهم طامع في الملك، والظاهر أن المنذر كان عارفًا بالخلاف الذي كان بين أولاده، فلم يشأ أن يزيده بتعيين أحد أبنائه. ولا ندري لم لم ينص على أكبرهم جريًا على السنة المتبعة في انتقال الملك. ولعله كان عارفًا بحراجة الموقف وضعف مركز ابنه الكبير، وعدم تمكنه من فرض نفسه عليهم إذا عينه ونصبه، لذلك وكل أمره كله إلى إياس بن قبيصة الطائي، فتولاه أشهرًا حتى انفرجت المشكلة على النحو التالي على حد رواية ابن الكلبي.

دعا كسرى بن هرمز عدي بن زيد العبادي، فقال له: من بقي من بني المنذر؟ وما هم؟ وهل فيهم خير؟ فقال عدي: بقيتهم في ولد هذا الميت، المنذر بن المنذر، وهم رجال. فبعث إليهم يمتحنهم. فلما وفدوا على كسرى، أنزلهم على عدي بن زيد. فاحتال عدي على هؤلاء الأخوة كما يقول الأخباريون وتظاهر أنه يفضلهم على ربيبه النعمان، وأوصاهم أن يجيبوا جوابًا معينًا حين يسألهم كسرى، وأمر النعمان أن يجيب جوابًا آخر يختلف عن جواب إخوته. وهو جواب يعتقد أن كسرى سيرضى عنه ويعينه. فلما أدخلوا على كسرى وأجابوا بجواب واحد هو الجواب الذي لقنهم إياه عدي، وهو: "إن سألكم الملك، أتكفونني العرب. فقالوا نكفيكهم إلا النعمان، وقال للنعمان: إن سألك الملك عن إخوتك فقل له: إن عجزت عنهم، فأنا عن غيرهم أعجز"، رضي كسرى بجواب النعمان وسر به، فملكه وكساه، وألبسه تاجًا قيمته ستون ألف درهم فيه اللؤلؤ والذهب١. فانتصر بذلك النعمان على إخوته، وسر عدي بن زيد بتولي ربيبة الملك.

وفي خبر لأبي الفرج الأصبهاني أن عدي بن زيد أخذ النعمان إلى "جابر بن شمعون"، وهو من "بني الأوس بن قلام بن بطين بن جمهير بن لحيان من بني الحارث بن كعب"، وكان أسقفًا على الحيرة، فاقترضا منه مالًا لتدبير أمورهما به، وذكر أن جابرًا هو صاحب القصر الأبيض الذي بالحيرة٢، وكان


١ الطبري "٢/ ١٤٧"، "٢/ ١٩٥ وما بعدها" "دار المعارف"، الأغاني "٢/ ١٠٦ وما بعدها" "دار الكتب المصرية".
٢ الأغاني "٢/ ١١٥" "دار الكتب المصرية".

<<  <  ج: ص:  >  >>