للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذا سلطان واسع في بني قومه، ولذلك فقد يكون لأخذ عدي للنعمان إليه للحصول على تأييده أثر في نجاحه في تولي العرش.

ويروي المفضل الضبي أن عدي بن زيد العبادي لما قدم على النعمان صادفه لا مال عنده ولا أثاث ولا ما يصلح لملك، وكان آدم إخوته منظرًا، وكلهم أكثر مالًا منه، فقال له عدي: كيف أصنع بك ولا مال عندك! فقال له النعمان: ما أعرف لك حيلة إلا ما تعرف أنت، فقال له: قم بنا نمضي إلى ابن قردس –رجل من أهل الحيرة من دينه- فأتياه ليقترضا منه مالًا، فأبى أن يقرضهما وقال: ما عندي شيء. فأتيا جابر بن شمعون، وهو الأسقف وهو أحد بني الأوس بن قلام بن بطين بن جمهر بن لحيان من بني الحارث بن كعب، فاستقرضا منه مالًا، فأنزلهما عنده ثلاثة أيام، يذبح لهم ويسقيهم الخمر. فلما كان في اليوم الرابع، قال لهما: ما تريدان؟ فقال له عدي: تقرضنا أربعين ألف درهم يستعين بها النعمان على أمره عند كسرى، فقال: لكما عندي ثمانون ألفًا، ثم أعطاهم إياها، فقال النعمان لجابر: لا جرم، لا جرى لي درهم إلا على يديك إن أنا ملكت١!.

ولكن انتصار النعمان أدى إلى هلاك عدي بن زيد على ما يقوله الأخباريون، فقد كان لعدي، كما لكل رجل كبير صار له نفوذ وجاه ومركز خطير، أعداء في مقدمتهم رجل اسمه كاسمه ودينه مثل دينه، هو "عدي بن أوس بن مرينا"، وبنو مرينا أسرة لها مكانتها وخطرها في الحيرة. وكان لهذا الرجل شأن يذكر في أيام المنذر، وكان يميل إلى الأسود بن المنذر؛ لأنه ربيب بني مرينا، فنصحه أن يتجنب الأخذ برأي عدي بن زيد؛ لأنه رجل لا ينصح، فلما أخفق الأسود في الامتحان، وعجز عن نيل التاج، صار يدبر المؤامرات لخصمه عدي، ويشي به إلى النعمان، ويغري آخرين بالتظاهر بأنهم من محبي عدي، ليثق النعمان بهم، فإذا أمن بهم، عادوا فوشوا بعدي عنده، ثم لم يكتف بذلك فوضع رسائل على لسان عدي إلى قهرمان لعدي فيه مكر ومؤامرة بالنعمان، ثم دس له حتى أخذ الكتاب، فجاء به إلى النعمان، فلما قرأه صدق بما جاء فيه، وغضب على عدي وقرر الانتقام منه٢.


١ الأغاني "٢/ ١١٥ وما بعدها".
٢ الطبري "٢/ ١٤٧ وما بعدها"، اليعقوبي "١/ ١٧٣"، الأغاني "٢/ ١٠٨ وما بعدها" "دار الكتب المصرية".

<<  <  ج: ص:  >  >>