للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جرت كل هذه المؤامرات على ما يقوله الأخباريون، وعدي عند كسرى يقوم بوظيفته لا يدري بها. فلما كتب النعمان إليه: "عزمت عليك إلا زرتني، فإني قد اشتقت إلى رؤيتك". صدق كلامه، واستأذن كسرى فأذن له. وسار إلى منيته وهو لا يدري ما يخبئه له القدر. فلما وصل إلى من كان مشتاقًا إلى رؤيته، ألقاه في سجن منفرد لا يدخل عليه فيه أحد، وهو لا يدري بم سجن. وفي السجن أخذ ينظم أشعارًا يتضرع فيها إلى النعمان أن يفك أسره، ويعظه فيها بالموت وبمن هلك قبله من الملوك الماضين، وكاد يطلقه لولا وشاية أعدائه به. فلما طال سجنه، كتب بشعر إلى أخيه "أبي" وهو مع كسرى يستجير به للتوسط لدى كسرى أن يكتب إلى النعمان يأمره بفك أسره. فلما كتب كسرى بذلك كتابًا أرسله مع شخص إلى النعمان، كتب خليفة النعمان عند كسرى إليه يبلغه بمجيء الرسول، وعرف أعداء عدي من "بني بقيلة" من غسان، فقالوا للنعمان: اقتله الساعة قبل وصول الرسول إليك، فإن لم تفعل فسيذهب إلى كسرى فلا يستبقي أحدًا لا أنت ولا غيرك. فبعث إليه النعمان أعداءه فغموه حتى مات في سجنه بالصنين. ولما وصل الرسول، رشي بهدايا كثيرة نفيسة، فعاد إلى كسرى يخبره أن عديًّا مات قبل وصوله بأيام١.

وقد أحس عدي بن زيد كما يقول الأخباريون بامتعاض خصمه عدي بن أوس بن مرينا من الحيلة التي دبرها لنجاح النعمان وبمحاولته الغدر به، فأراد مصالحته واسترضاءه كما يقول الأخباريون فعمل له طعامًا دعا إليه من أحب عدي بن أوس بن مرينا حضوره، وحلف بعد انتهاء الطعام في البيعة أنه لن يحقد عليه، وأنه سيتناسى ما حدث، ورجا من خصمه أن يفعل مثله. فقام عدي بن أوس إلى البيعة، فحلف مثل يمينه أن لا يزال يهجوه أبدًا ويبغيه الغوائل ما بقي. وقد كان٢. وهم يروون شيئًا من هذا التهاجي الذي وقع بين الخصمين.

ويذكر أهل الأخبار أن عدي بن مرينا صار يحرض الأسود ويحثه على الأخذ


١ الطبري "٢/ ١٥٢"، اليعقوبي "١/ ١٧٣"، مروج الذهب "٢/ ٢٥ وما بعدها" الأغاني "٦/ ٦٥" "دار الكتب المصرية"، الكامل لابن الأثير "١/ ٢٨٦ وما بعدها" "الطباعة المنيرية"، المعاني الكبير "٣/ ١٢٦١ وما بعدها".
٢ الطبري "٢/ ١٤٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>