للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجازه الملك على مدحه وأكرمه. وبينا هو جالس عنده ذات يوم، إذا بالنابغة يدخل قبة الملك، وكان يوم ترد فيه النعم السود، ولم يكن بأرض العرب بعير أسود إلى له، فأنشده كلمته التي يقول فيها:

كأنك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

فدفع إليه مائة ناقة من الإبل السود، فيها رعاؤها، فما حسدت أحدًا حسدي النابغة، لما رأيت من جزيل عطيته وسمعت من فضل شعره١.

ويذكر المسعودي أن النابغة دخل على النعمان يومًا، وكان عنده نديمه خالد بن جعفر الكلابي، وكان ممن يعطف على النابغة، فمدح النعمان بشعر، "فتهلل وجه النعمان بالسرور، ثم أمر فحشي فوه جوهرًا، ثم قال: بمثل هذا فلتمدح الملوك"٢.

وتذكر رواية أخرى أن النابغة لما سأل حاجب النعمان الاستئذان للدخول عليه، قال له الحاجب: الملك على شرابه. ولما سأله: من عنده؟ قال: خالد بن جعفر بن كلاب! فتوسل إليه بأن يبلغه تحية النابغة، وأن يسهل له الدخول على الملك، ففعل وأمر النعمان حاجبه بإدخاله عليه. فلما دخل، سلم عليه وحياه بتحية الملك، وجلس وهو يقول: "أيها الملك. أيفاخرك صاحب غسان؟ فوالله لقفاك أحسن من وجهه، ولشمالك أجود من يمينه، ولأمك خير من أبيه ولغدك أسعد من يومه. فضحك النعمان. ثم قال لخالد: من يلومني على حب النابغة؟ ألك حاجة؟ قال: نعم. فقضى حوائجه بأسرها، وأحسن جائزته، فانصرف داعيًا له"٣.

ويذكر الأخباريون أن آخر مرة اتصل بها النابغة بالنعمان كانت في أثناء مرض الملك النعمان. وكان النابغة هاربًا آنذاك على أثر الوشاية به. فلما سمع النابغة بمرضه آثر السفر إليه، والاعتذار منه. فلما وصل الحيرة، كان الملك لا زال مريضًا، شديد المرض. وقد حمل سريره على العادة المتبعة عند مرض الملوك مرضًا شديدًا،


١ الشعر والشعراء "ص ٧١، ٧٥"، "النابغة الذبياني".
٢ مروج "٢/ ٢٥" طبعة محمد محيي الدين عبد الحميد".
٣ مجالس العلماء "٢٥٩ وما بعدها" "عبد السلام محمد هارون"، لأبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي.

<<  <  ج: ص:  >  >>