للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد نسب حمزة إلى النعمان بناء الغريين وغريهما بدم من يقتله في يوم بؤسه١. وقد رأينا فيما سلف أن الأخباريين من نسب بناءهما وقصة يومي البؤس والنعيم إلى المنذر بن ماء السماء.

وذكر الأخباريون أنه كانت للنعمان عادات، منها أنه إذا غلب الرجل عنده وفلج على خصمه، زاده وسادة، وأمر فلقم عشر لقمات من طعامه قبل أن يأكل أحد٢.

وللنعمان حاجب، اشتهر حتى خلد اسمه في الشعر وفي كتب الأدب، واسم هذا الحاجب "عصام"، وهو من رجال "جرم"، وفيه قيل: "نفس عصام سودت عصامًا"، وكان النعمان إذا أراد أن يبعث بألف فارس، بعث بعصام. ولخطر مركزه؛ ولأن في استطاعته إدخال من يريد الوصول إلى النعمان أو تأخيره أو منعه، كان الناس يتوددون إليه ليوصلهم إلى الملك، وقد أشار "النابغة"، إذ قال:

فإني لا ألومك في دخول ... ولكن ما وراءك يا عصام٣

وكان النعمان في أول عهده عابد وثن، يتعبد للعزى، ويذبح الذبائح للأوثان، ثم رأى رأيًا فغير دينه، ودخل في النصرانية. ولبعض مؤرخي الكنيسة ولبعض الأخباريين قصص في كيفية اهتدائه إلى النصرانية، مرجعها قصص نصارى أهل الحيرة على ما يظهر. يحدثنا أصحاب تواريخ الكنيسة أن النعمان ولع به الشيطان وأصيب بلوثة ووسوسة، فحاول الشفاء منها بالتجائه إلى كهنة الأصنام. فلما عجزوا من شفائه، أشير عليه بالالتجاء إلى آباء الكنيسة، فلجأ إلى شمعون بن جابر أسقف الحيرة، وإلى "سبريشوع" أسقف "لاشوم"، و"ايشو عزخا" "ايشوع زخا" الراهب فانتفع بهم، فغير دينه، فتنصر واعتمد وحسن إيمانه، وطرد اليعاقبة من سائر أعماله وتقوت بذلك النسطورية. وكذلك تنصر ولده، ومنهم الحسن والمنذر. وكان الحسن أشد الجماعة تمسكًا بالنصرانية. وقد سبقته


١ حمزة "ص٧٢".
٢ شرح ديوان لبيد "ص ٤٠٤".
٣ الاشتقاق "٢/ ٣١٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>