للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تدبير شؤون ملك الحيرة بعد سياحة النعمان على رواية بعض الأخباريين إلى أن انتقل الملك إلى المنذر بن ماء السماء ١.

وقرب عديًّا إلى كسرى أنو شروان المرزبان فروخ ماهان، فعهد إليه الكتابة بالعربية، فتولاها وصار له شأن يذكر عند الفرس، كما صار له مركز خطير في قصور آل لخم. ولما توفي كسرى أنو شروان، وملك هرمز ابنه، أرسل عديًّا إلى قيصر الروم "طيباريوس" "طبريوس" بمهمة سياسية، فأظهر لباقة وحنكة وحكمة، مما جعل القيصر يحترمه، فأكرمه، وحباه، وأراه أطراف مملكته، وذهب إلى دمشق، وأقام فيها أمدًا، وهو على صلات حسنة بالروم، وفي أثناء إقامته بالشأم، أراد أهل الحيرة قتل المنذر والخروج عليه، لظلمه وأخذه أموالهم بغير حق. فلما علم بذلك المنذر، طلب من زيد والد عدي أن يتولى هو الأمر، وفرح الناس على ما يذكره الرواة بهذا القرار، فجاؤوه يحيونه بتحية الملك، ولكنه أبى أن يسمى ملكًا، ورضي بالحكم بغير هذا الاسم، وسر المنذر بهذا الحل، ورضي به. وبقي في هذا المركز إلى أن هلك، وابنه بعيد عنه في دمشق.

فلما جاء عدي من الشأم، لم ينس المنذر فضل أبيه عليه، وإنقاذه الملك بهذا الحل، وسلمه ما كان قد تركه أبوه، واستقبله استقبالًا عظيمًا حينما قدم الحيرة قادمًا من المدائن بعد زيارته لكسرى لتقديم هدية القيصر إليه. وأقام في الحيرة سنين يتصيد ويلهو ويعلب، ويبدو في فصلي السنة، فيقيم في حفير، ويشتو بالحيرة، ويأتي المدائن في خلال ذلك فيخدم كسرى، وكان لا يؤثر على بلاد بني يربوع مبدى من مبادي العرب، ولا ينزل في حي من أحياء بني تميم غيرهم. وكان أخلاؤه من العرب كلهم بني جعفر. وكانت إليه في بلاد بني ضبة وبلاد بني سعد، ولم يزل على حاله تلك حتى تزوج هندًا بنت النعمان بن المنذر٢.


١ الأغاني "٢/ ١٠٠" "دار الكتب المصرية" شعراء النصرانية "ص ٤٤٣"، المرزباني "٢٤٩ وما بعدها" الشعر والشعراء "ص١١٣ وما بعدها" "عدي بن زيد العبادي".
٢ الأغاني "٢/ ١٠٢ وما بعدها" "دار الكتب المصرية"، المشرق، الجزء الأول، كانون الأول، ١٩٤٤"، "ص٤٦ وما بعدها"، شعراء النصرانية "١/ ٤٣٩ وما بعدها"، المرزباني "٢٤٩ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>