للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويظهر من غربلة الروايات التي. رواها أهل الأخبار عن نهاية "الحارث" أنها قد اختلفت فيما بينها وتضاربت في موضوع نهايته، فزعم بعض منها، أنه قتل وأن قاتله هو "المنذر بن ماء السماء"، وزعم بعض آخر أنه قتل، ولكنه لم يصرح باسم قاتله، وزعم بعض آخر أنه هلك، وأنه لم يقتل، وإنما مات حتف أنفه١. والذي أرجحه أنه قتل، قتل في أثناء المعارك التي وقعت من جراء تعقب المنذر بن ماء السماء له.

ولا نكاد نعرف شيئًا يذكر عن أعمال الحارث في أثناء توليه ملوكية قبائل "معد" غير ما ذكره الرواة من أنه وزع أولاده عليها، وجعلهم ملوكًا على تلك القبائل. كذلك لا نكاد نعرف شيئًا يذكر عن أعماله وهو ملك على الحيرة، فأصحابنا الأخباريون سكوت عن هذه الأمور. ويفهم من كلام بعض الأخباريين عن "الحارث" أنه حينما نزل ببكر بن وائل، أقام بـ"بطن عاقل"، ومنه غزا بهم ملوك الحيرة اللخميين، وملوك الشأم الغسانيين، وفيه كانت نهايته٢.

ويفهم من بيت في ديوان "امرئ القيس" أن ملك الحارث قد امتد من العراق إلى عمان، ولا تعني أمثال هذه الأقوال امتلاكًا فعليًّا، بل كانت تتحدث في الواقع عن اتفاقات تعقد بين القبائل يعترف فيها بالرئاسة لمن له النفوذ الأكبر والمكانة، فإذا حدث حادث للرئيس الذي تمكن بمكانته ومنزلته من ضم هذه القبائل وتوحديها، انهد كيان ذلك الاتحاد وتشتت شمله، كالذي حدث بعد وفاة الحارث كما سنرى فيما بعد. وقد لا تعني هذه الأقوال سوى المبالغات والفخر، على نحو ما يرد في شعر غيره من الشعراء من امتلاكهم الدنيا ومن عليها، ومن تدويخهم القبائل والناس، وليس في الواقع أي شيء مما جاء في دعوى أولئك الشعراء المفتخرين.

ويحدثنا "أبي الكلبي" أنه كان للحارث زوجات ثلاث، هن: أم قطام بنت سلمة بن مالك بن الحارث بن معاوية، وأسماء، ورقية أمة أسماء. وقد زعم ابن الكلبي أن أم قطام وأسماء كانتا شقيقتين، وأما رقية، فكانت أمة لأسماء. وقيل أيضًا: "هن أخوات، فجمعهن جميعًا"٣. وزوجه بعض


١ البداية والنهاية، لابن كثير "٢/ ٢٠٨".
٢ نهاية الأرب "١٥/ ٤٠٦"، العقد الفريد "٦/ ٧٨" "طبعة العريان".
٣ المفضليات "ص٤٢٩، ٤٣٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>