للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووقعت الحرب بينهم، فقتلت عك أبرح قتل وخرجوا هاربين، فعظم ذلك على ثعلبة بن عمرو، فحلف أن لا يقيم، فسار ومن اتبعه حتى انتهوا إلى مكة وأهلها يومئذ جرهم، وهم ولاة البيت، فنزلوا بطن مر وسألوهم أن يأذنوا لهم في المقام معهم، فقاتلتهم جرهم، فنصرت الأزد عليهم، فأجلوهم عن مكة، ووليت خزاعة البيت، فلم يزالوا ولاته حتى صار "قصي" إلى مكة، فحارب خزاعة بمن تبعه، وأعانه قيصر عليها، وصارت ولاية البيت له ولولده، فجمع قريشًا، وكانت في الأطراف والجوانب، فسمي مجمعًا، وأقامت الأزد زمانًا١.

فلما رأوا ضيق العيش شخصوا، فصار بعضهم إلى السواد، فملكوا بها. منهم "جذيمة بن مالك بن الأبرش" ومن تبعه وصار قوم إلى عمان وصار قوم إلى الشأم، فهم "آل جفنة" ملوك الشأم. وصار جذع بن سنان قاتل سلمقة إلى الشأم أيضًا، وبها سليح، فكتب ملك سليح إلى قيصر يستأذنه في إنزالهم، فأذن له على شروط شرطها لهم. وأن عامل قيصر قدم عليهم ليجيبهم فطالبهم وفيهم جذع، فقال له جذع خذ هذا السيف رهنًا أن نعطيك. فقال له العامل: اجعله في كذا وكذا من أمك، فاستل جذع السيف فضرب به عنقه. فقال بعض القوم: خذ من جذع ما أعطاك، فذهبت مثلًا.

فمضى كاتب العامل إلى قيصر فأعلمه، فوجه إليهم ألف رجل وجمع له خذع من الأزد من أطاعه، فقاتلوهم فهزموا الروم، وأخذوا سلاحهم، وتقووا بذلك، ثم انتقلوا إلى يثرب وأقام بنو جفنة بالشام وتنصروا. ولما صار جذع إلى يثرب وبها اليهود، حالفوهم، وأقاموا بينهم على شروط فلما نقضت اليهود الشروط، أتوا تبعًا الآخر، فشكوا إليه ذلك، فسار نحو اليهود حتى قتل منهم وأذلهم، وصار الأمر في يثرب للأزد٢.

وللأخباريين تفاسير في سبب تلقيب عمرو بن عامر بمزيقياء. وقد ذكر "حمزة" بعض الآراء الواردة في ذلك، فقال: "وتزعم الأزد أن عمرًا إنما سمي مزيقياء لأنه كان يمزق كل يوم من سني ملكه حلتين لئلا يلبسهما غيره، فسمي هو مزيقياء، وسمي ولده المزاقية. فهذا قول وقيل: إنما سمي مزيقيا؛ لأن الأزد


١ المعارف "ص٦٤٠"، "تحقيق ثروت عكاشة".
٢ المعارف "ص٢٧٨ وما بعدها"، "٦٤٠"، "تحقيق ثروت عكاشة".

<<  <  ج: ص:  >  >>