للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم، فتمكنوا من إنقاذ بلادهم من الحبش بمعونة من الفرس. وتركوا بذلك اليمن أبدًا.

ويظهر من بعض الكتابات أن حصن "شمر" والسهل المحيط به كان في أيدي الحبش، وقد ورد فيها اسم موضع "مخون"، وهو "مخا". ويرد اسم هذه المدينة لأول مرة. وتتناول هذه الكتابات حوادث وقعت سنة "٥٢٨" بعد الميلاد١.

وتبدأ قصة دخول الحبش إلى اليمن على هذا النحو: لما قتل ذو نواس من أهل نجران قريبًا من عشرين ألفًا، أفلت منهم رجل يقال له "دوس ذو ثعلبان" أو رجل آخر اسمه "جبار بن فيض" أو غير ذلك، ففر على فرس له، فأعجزهم حتى خرج فوصل الحبشة، وجاء إلى ملكها، فأعلمه ما فعل "ذو نواس" بنصارى نجران، وأتاه بالإنجيل قد أحرقت النار بعضه، فقال له: الرجال عندي كثير، وليست عندي سفن. وأنا كاتب إلى قيصر أن يبعث إليَّ بسفن أحمل فيها الرجال. فكتب إلى قيصر في ذلك وبعث إليه بالإنجيل المحرق. فبعث إليه قيصر بسفن كثيرة عبر فيها البحر ودخل اليمن٢.

وفي رواية أخرى أن "دوس ذو ثعلبان" قدم على قيصر صاحب الروم، فاستنصره على "ذي نواس" وجنوده وأخبره بما بلغ منهم، فقال له قيصر: بعدت بلادك من بلادنا ونأت عنا، فلا نقدر على أن نتناولها بالجنود. ولكني سأكتب لك إلى ملك الحبشة، فإنه على هذا الدين، وهو أقرب إلى بلادك منا، فينصرك ويمنعك ويطلب لك بثأرك ممن ظلمك. فكتب معه قيصر إلى ملك الحبشة يذكر له حقه وما بلغ منه ومن أهل دينه، ويأمره بنصره وطلب ثأره ممن بغى عليه وعلى أهل دينه. فلما قدم دوس ذو ثعلبان بكتاب قيصر على النجاشي، بعث معه سبعين ألفًا من الحبشة، وأمر عليهم رجلًا من أهل الحبشة يقال له أرياط، وعهد إليه إن أنت ظهرت عليهم فاقتل ثلث رجالهم، وأخرب ثلث بلادهم، واسب ثلث نسائهم وأبنائهم. فخرج أرياط ومعه جنوده، وفي جنوده أبرهة الأشرم، فركب البحر ومعه دوس ذو ثعلبان حتى نزلوا بساحل اليمن. وسمع بهم ذو نواس، فجمع إليه حمير ومن أطاعه من قبائل اليمن، فاجتمعوا إليه على


١ Le Museon, ١٩٦٤, ٣-٤, P. ٤٣٨
٢ الطبري "٢/١٠٥"، المحبر "ص٣٦٨"، تفسير القرطبي "١٩/ ٢٩٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>