للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بإخفاق ذريع، انتهت بإصابة أبرهة بوباء خطير، وبإصابة عسكره بذلك المرض نفسه: مرض جلدي، أصاب جلود أكثر جيشه، فمزقها، وأصابها بقروح وقيوح في الأيدي خاصة، وفي الأفخاذ، أو بمرض وبائي هو الحصبة والجدري، فيذكر أهل الأخبار في تفسير سورة الفيل، وفي أثناء تحدثهم عن هذه الحملة وبعد شرحهم لمعنى "طير أبابيل": مباشرة، هذين المرضين ويقولون: "إن أول ما رئيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام"١. وتفسير ذلك بعبارة أخرى أن ما أصاب الحبش، هو وباء من تلك الأوبئة التي كانت تكتسح البشرية فيما مضى، فلا تذهب حتى تكون قد أكلت آلافًا من الرءوس.

وكان لرجوع الأحباش إلى اليمن وهم على هذه الصورة من مرض يفتك بهم، وتعب ألمَّ بهم، أثر كبير أثر فيهم وفي قريش، ثم ما لبث أبرهة إن مات بعد مدة غير طويلة، فازداد اعتقاد قريش بـ"رب البيت" وبأصنامها، وهابت العرب مكة، فكانت نكسة الحبش نصرًا لقريش ولأهل مكة قوَّى من معنوياتها, ويتجلى ذلك في القرآن الكريم في سورة الفيل، وهي من السور المكية القديمة: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} ٢.

وقصة تدنيس "القليس"، قد تكون حقيقية وقعت وحدثت، وقد تكون أسطورة حيكت ووضعت، على كل حال، وفي كلتا الحالتين لا يعقل أن تكون هي السبب المباشر الذي دفع النجاشي إلى السير إلى مكة لهدم البيت ونقضه من أساسه ورفع أحجاره حجرًا حجرًا، على نحو ما يزعمه أهل الأخبار بل يجب أن يكون السبب أهم من التدنيس وأعظم، وأن يكون فتح مكة بموجب خطة تسمو على فكرة تهديم البيت وتخريبه، خطة ترمي إلى ربط اليمن ببلاد الشأم، لجعل العربية الغربية والعربية الجنوبية تحت حكم النصرانية، وبذلك يستفيد الروم والحبش


١ تفسير الطبري "٣٠/ ١٩٦" "بولاق"، "وهو أول جدري ظهر في الأرض"تفسير النيسابوري "٣٠/ ١٦٥"، "حاشية على تفسير الطبري"، "أول ما رُئِيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام، وأول ما دعي من مراير الشجر: الحوامل والحنظل والعشر، ذلك العام"، الأزرقي "١/ ٩٧ وما بعدها"، "خياط".
٢ السورة رقم ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>