للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهم نصارى، وإن اختلفوا مذهبًا، ويحققون لهم بذلك نصرًا سياسيًّا واقتصاديًّا كبيرًا، فيتخلص الروم بذلك من الخضوع للأسعار العالية التي كان يفرضها الساسانيون على السلع التجارية النادرة المطلوبة التي احتكروا بيعها لمرورها ببلادهم؛ إذ سترد إليهم من سيلان والهند رأسًا عن طريق بلاد العرب، فتنخفض الأسعار ويكون في إمكان السفن البيزنطية السير بأمان في البحار العربية حتى سيلان والهند وما وراءهما من بحار.

وآية ذلك خبر يرويه أهل الأخبار يقولون فيه: إن "أبرهة" توَّج "محمد بن خزاعي بن خرابة الذكواني"، ثم السلمي، وكان قد جاءه في نفر من قومه، مع أخ له، يقال له: "قيس بن خزاعي"، يلتمسون فضله، وأمره على مضر، وأمره أن يسير في الناس، فيدعوهم في جملة ما يدعوهم إليه إلى حج "القليس"، فسار محمد بن خزاعي، حتى إذا نزل ببعض أرض نبي كنانة، وقد بلغ أهل تهامة أمره، وما جاء له، بعثوا إليه رجلًا من هذيل، يقال له عروة بن حياض الملاصي فرماه بسهم فقتله. وكان مع محمد بن خزاعي أخوه قيس، فهرب حين قتل أخوه، فلحق بأبرهة، فأخبره بقتله، فغضب وحلف ليغزون بني كنانة وليهدمن البيت١.

فمقتل "محمد بن خزاعي"، هو الذي هاج أبرهة وحمله على ركوب ذلك المراكب الخشن. ولم يكن هياجه هذا بالطبع بسبب أن القتيل كان صاحبه وصديقه بل لأن من قتله عاكس رأيه وخالف سياسته ومراميه التوسعية القاضية بفرض إرادته وإرادة الحبش وحلفائهم على أهل مكة وبقية كنانة ومضر. وبتعيين ملك أو أمير عليهم، هو الشخص المقتول، فقتلوه. ومثل هذا الحادث يؤثر في السياسة وفي الساسة، ويدفع إلى اتخاذ إجراءات قاسية شديدة، مثل إرسال جيش للقضاء على المتجاسرين حتى لا يتجاسر غيرهم، فتفلت من السياسي الأمور.

ومن يدري؟ فلعل الروم كانوا هم المحرضين لأبرهة على فتح مكة وغير مكة حتى تكون العربية الغربية كلها تحت سلطان النصرانية، فتتحقق لهم مآربهم في طرد سلطان الفرس من بلاد العرب. وقد حاولوا مرارًا إقناع الحبش بتنفيذ


١ الطبري "٢/ ١٣١"، تفسير الطبري "٣٠/ ١٩٤"، "بولاق"، الأرزقي "١/ ٨٦ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>