للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبناؤه, من سكان مكة أو من سكان ظواهرها، أي: كل من انحدر من صلبه من أبناء١, وما كان فوق "فهر" فليس يقال له "قرشي", وإنما يقال له كناني٢.

ومعارفنا عن "قريش" لا بأس بها بالنسبة إلى معارفنا عن خزاعة وعمَّن تقدم عليها من قبائل ذكر أهل الأخبار أنها سكنت هذه المدينة, وتبدأ هذه المعرفة بها, ابتداء من "قصي" زعيم قريش ومجمعها، والذي أخذ أمر مكة فوضعه في يديه، ثم في أيدي أولاده من بعده، فصارت "قريش" بذلك صاحبة مكة.

وقد اشتهرت قريش بالتجارة، وبها عرفت وذاع صيتها بين القبائل وتمكن رجالها بفضل ذكائهم وحذقهم بأسلوب التعامل من الاتصال بالدول الكبرى في ذلك العهد: الفرس والروم والحبشة، وبحكومة الحيرة والغساسنة, وبسادات القبائل، ومن تكوين علاقات طيبة معها، مع تنافر هذه الدول وتباغضها. كما تمكنوا من عقد أحلاف مع سادات القبائل، ضمنت لهم السير طوال أيام السنة بهدوء وطمأنينة في كل أنحاء جزيرة العرب, والطمأنينة أهم أمنية من أماني التاجر. وبذلك أمنوا على تجارتهم، ونشروا تجارتهم في كل أنحاء جزيرة العرب, حتى عرفوا بـ"قريش التجار", جاء على لسان كاهنة من كهان اليمن قولها: "لله در الديار، لقريش التجار"٣.

وليس لنا علم بتأريخ بدء اشتغال قريش بالتجارة واشتهارها بها. وروايات أهل الأخبار، متضاربة في ذلك, فبينما هي ترجع ظهور "قريش" بمكة إلى أيام قصي, ومعنى ذلك أن تجارة قريش إنما بدأت منذ ذلك الحين، نراها ترجع تجارتها إلى أيام النبي "هود" وتزعم أنه لما كان زمن "عمرو ذي الأذعار الحميري"، كشفت الريح عن قبر هذا النبي، فوجدوا صخرة على قبره كتب عليها بالمسند: "لمن ملك زمار؟ لحمير الأخيار. لمن ملك ذمار؟ للحبشة الأشرار. لمن ملك ذمار؟ لفارس الأحرار. لمن ملك ذمار؟ لقريش التجار"٤.

والرواية أسطورة موضوعة، ولكنها تشير إلى أن اشتغال قريش بالتجارة يرجع


١ البلاذري, أنساب "١/ ٣٩", نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار "٩".
٢ ابن سعد, طبقات "١/ ٥٥".
٣ رسائل الجاحظ, "جمع السندوبي"، "ص١٥٦" "المطبعة الرحمانية ١٩٥٨م".
٤ الإكليل، الجزء الثامن "خبر آخر عن قبر هود, وقبر قضاعة بن مالك بن حمير".

<<  <  ج: ص:  >  >>