للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويبدو من وصف أهل الأخبار لقريش البطاح، أنهم إنما سُموا بالبطاح لأنهم دخلوا مع قصي البطاح، فأقاموا هناك١. فهم مستقرون حضر، وقد أقاموا في بيوت مهما كانت فإنها مستقرة، وقد انصرفوا إلى التجارة وخدمة البيت، فصاروا أصحاب مال وغنًى، وملكوا الأملاك في خارج مكة، ولا سيما الطائف، كما ملكوا الإبل، وقد تركوا رعيها للأعراب. وعرفوا أيضا بقريش الضب؛ للزومهم الحرم٢.

وأما قريش الظواهر٣, فهم الساكنون خارج مكة في أطرافها، وكانوا على ما يبدو من وصف أهل الأخبار لهم أعرابًا، أي: إنهم لم يبلغوا مبلغ قريش البطاح في الاستقرار وفي اتخاذ بيوت من مدر. وكانوا يفخرون على قريش مكة بأنهم أصحاب قتال، وأنهم يقاتلون عنهم وعن البيت. ولكنهم كانوا دون "قريش البطاح" في التحضر وفي الغنى والسيادة والجاه؛ لأنهم أعراب فقراء، لم يكن لهم عمل يعتاشون منه غير الرعي, وكانوا دونهم في مستوى المعيشة بكثير وفي الوجاهة بين القبائل. ومع اشتراكهم وقريش البطاح في النسب، ودفاعهم عنهم أيام الشدة والخطر، إلا انهم كانوا يحقدون على ذوي أرحامهم على ما أُوتوا من غنى ومال وما نالوه من منزلة، ويحسدونهم على ما حصلوا عليه من مكانة دون أن يعملوا على رفع مستواهم، وترقية حالهم، والاقتداء بذوي رحمهم أهل الوادي في اتخاذ الوسائل التي ضمنت لهم التفوق عليهم وفي جلب الغنى والمال لهم. كان شأنهم في ذلك شأن الحساد الذين يعيشون على حسدهم، ولا يبحثون عن وسائل ترفعهم إلى مصافّ من يحسدونه، ولعل نظرتهم الجاهلة إلى أنفسهم من أنهم أعلى وأجل شأنًا ممن يحسدونهم, وإن كانوا دونهم في نظر الناس في المنزلة والمكانة، حالت دون تحسين حالهم والتفوق على المحسود بالجد والعمل، لا بالاكتفاء بالحسد وبالتشدق بالقول والمباهاة.

ويذكر أهل الأخبار أن قسما ثالثا من قريش، لم ينزل بمكة ولا بأطرافها،


١ المحبر "١٦٨".
٢ ابن الأثير "٢/ ٨"، البلاذري، أنساب "١/ ٣٩".
٣ "قريش الظواهر: الذين ينزلون خارج الشعب"، تاج العروس "٢/ ١٢٥", "بطح"، البلاذري، أنساب "١/ ٣٩"، "كانوا يفخرون على قريش الظواهر لظهورهم للعدو، ولقائهم المناسر", البلاذري، أنساب "١/ ٤٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>