للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لها نوعًا من التنظيم والإدارة. ومن عهده فما بعد, نجد في أخبار مكة ما يمكن أن يركن ويطمأن إليه من أخبار.

وقد روى "ابن قتيبة" خبرًا مفاده: أن "قيصر" أعان "قصيًّا" على "خزاعة"١. وإذا صح هذا الخبر، فإن مساعدة "قيصر" له قد تكون عن طريق معاونة الغساسنة له، وهم حلفاء الروم. وقد تكون قبيلة "بني عذرة" وهي من القبائل المتنصرة التي عاشت على مقربة من حدود بلاد الشام، هي التي توسطت فيما بين قصي والروم, وقد كانت خاضعة لنفوذهم، فأعانه أحد الحكام الروم -وقد يكون من ضباط الحدود، أو من حكام المقاطعات الجنوبية, مثل "بصري" بأن أمده بمساعدة مالية أو بإيعاز منه إلى الأعراب المحالفين للروم بمساعدته في التغلب على خزاعة٢. ولا أهمية كبيرة في هذا الخبر لكلمة "قيصر", فقد جرت عادة أهل الأخبار على الإسراف في استعمالهم لهذه اللفظة. وقد ورثوا هذا الإسراف من الجاهليين، فقد كان من عادتهم تسمية أي موظف بارز من موظفي الحدود الروم, أو من حكام المقاطعات بـ" قيصر". وفي روايات أهل الأخبار أمثلة عديدة من هذا القبيل.

ويذكر أن "عثمان بن الحويرث"، وكان من الهجائين في قريش ومن العالمين بأخبار رجالها، قد توسط فيما بعد لدى البيزنطيين لتنصيب نفسه ملكًا على مكة، وهو من "بني أسد بن عبد العزى". ويظهر أنه أدرك المرارة التي أصيب بها البيزنطيون من خروج الحبش عن اليمن ومن دخول الفرس إليها, وسيطرتهم بذلك على باب المندب، ومفتاح البحر الأحمر، فتقرب إلى الروم وتوسل إليهم لمساعدته بكل ما عندهم من وسائل لتنصيب نفسه ملكًا على مكة, علمًا منه أن هذا الطلب سيجد قبولًا لديهم، وأن في إمكانهم في حالة عدم رغبتهم بمساعدته مساعدة عسكرية أو مالية, الضغط على سادات مكة ضغطًا اقتصاديًّا، بعرقلة تجارتهم مع بلاد الشام، أو بمنع الاتجار مع مكة، أو برفع مقدار الضرائب التي تؤخذ عن تجارتهم، وبذلك يوافقون على الاعتراف به ملكًا


١ المعارف "ص٦٤٠", "وأعانه قيصر عليها",
Lammens, Macque, p. ٢٦٩.
٢ W. M. Watt, Muhammad at Mecca, p. ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>