الإسلام ودار الندوة بيد حكيم، فباعها بعد من معاوية بمائة ألف درهم١.
فدار الندوة إذن، هي دار "ملأ" مكة, وهم سادتها ووجوهها وأشرافها وأولو الأمر فيها, ولم تكن "برلمانًا" أو "مجلس شيوخ" على النحو المفهوم من اللفظتين في المصطلح السياسي, وإنما كانت دار "أولي المشورة" و"الرأي", تتخذ رأيًا عند ظهور حاجة أو أخذ "الرأي", وعند وجوب حصول زعماء الملأ على قرار في أمر مهم. ولم تكن قراراتها ملزمة، بل قد يخالفها سيد ذو رأي ومكانة، فينفرد برأيه, ولا يحصل الإجماع إلا باتفاق, والغالب ألا يحصل هذا الاتفاق. ويتوقف تنفيذ رأي "الملأ" على شخصية المقررين وعلى كفاءتهم وعلى ما يتخذونه من إجراء بحق المخالفين المعاندين من مقاطعة ومن مساومة ومن إقناع. والغالب أن الملأ لا يتخذون رأيًا إلا بعد دراسة وتفكير, ومفاوضات يراعى فيها جانب المروءة والحلم والمرونة، حتى لا يقع في البلد انشقاق قد يعرِّض الأمن إلى الاهتزاز.
وربما قام وجوه "الشعب" وهم سادة الأسر, بدور هو أكثر فعاليةً من دور "دار الندوة" في فضِّ الخصومات. والعادة عندهم أن الخصومات الداخلية للأسر, تفض داخل الأسرة؛ لأن "آل" الأسرة أقدر على حل خلافاتهم من تدخل غيرهم في شئونهم، ثم إنهم لا يقبلون بتدخل غريب عن الأسرة في شأن من شئون تلك الأسرة؛ لذلك كان "الملأ" لا ينظرون إلا في الأمور التي هي فوق مستوى الأسر و"الشعاب", والتي تخص أمور المدينة كلها، والتي قد تعرض أمنها إلى الخطر، أو التي يتوقف على قراراتهم بصددها مستقبل المدينة.
والإنسان بمكة بأسرته وبمقدرته وقابلياته وكفاءته, وقد يرفع الأشخاص من مستوى أسرهم، وقد يهبط مستوى الأسر ومكانتها بسبب هبوط مستوى رجالها وعدم ظهور رجال أغنياء أقوياء فيها. ولما كانت مكة مدينة عمل وتجارة ومال, والمال يتنقل بين الناس حسب اجتهاد الأفراد وجدهم في السعي وراءه؛ لذلك تجد من بين رجالها من يخمل ذكره بسبب خمول أولاده وتبذيرهم لما ورثوه من مال، وعدم سعيهم لإضافة مال جديد إليه، ويستتبع ذلك تنقل النفوذ من بيت إلى بيت.
فالحكم في مكة إذن حكم لا مركزي، حكم رؤساء وأصحاب جاه ونفوذ ومنزلة